تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).

فعلى ما اطرد من ذلك التلازم الوثيق جاء النص على علة تصريف هذه الآية الكونية الباهرة، فما أوجدها الرب، جل وعلا، إلا: ليجعلها تذكرة، على جهة التكوين بالنظر إلى فعل الرب جل وعلا الذي أوجد ماهيتها بكلمته التكوينية النافذة، وعلى جهة التشريع بالنظر إلى فعل العبد بتدبرها والنظر فيها بعين التذكرة الشرعية النافعة، فيكون الأمر الكوني ذريعة إلى امتثال الأمر الشرعي، وجاء الجعل على ما اطرد في السياق مسندا إلى ضمير الفاعلين فذلك مما يزيد معنى التعظيم في سياق ذكر آية كونية باهرة وتقرير آية شرعية حاكمة، ونكرت التذكرة مئنة من التعظيم فهي تذكرة عظمية لمن تدبر ونظر، فتعيها كل أذن واعية، فالنكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق، كما قرر أهل الأصول، فكان القياس على هذا الوجه أن يحصل المراد بوعي أذن واحدة، فالمطلق من أقسام الخاص إذ يتقرر المعنى بتحققه في فرد واحد من أفراد العموم، فعمومه بدلي لا شمولي كالعام المعروف في علم الأصول، فيكفي في تقريره: تحققه في فرد بعينه، كما تقدم، وذلك ما يعارض عموم التذكرة، فعموم التذكرة قرينة تحمل النكرة في سياق الإثبات على العموم لا الخصوص، فذلك من قبيل قوله تعالى: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" وصاحب "المذكرة"، رحمهما الله، فقرينة السياق مئنة من إرادة العموم فكل نفس تعلم ما أحضرت في دار الجزاء، فلا يقول عاقل بأن نفسا واحدة فقط هي التي ستعلم لأن النكرة في سياق الإثبات تفيد الإطلاق فيكفي لتقرير المعنى تحققه في نفس واحدة!.

وقد ورد في تفسير: الأذن الواعية، روايات ضعيفة تقصر العموم على فرد بعينه هو علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولو فرضت صحتها فليس ذلك من تخصيصه، رضي الله عنه، بالتذكرة، فإن قصر عموم التذكرة على فرد بعينه، لا يتصور، فهو عدول عن الأصل بحمل العام على خصوص فرد بعينه، وذلك من المجاز عند من يثبت وقوعه في التنزيل، والأصل في الكلام: الحقيقة، فلا يعدل عنها إلا عند تعذر حمل الكلام عليها فتحمل على المجاز بقرينة صارفة معتبرة، ولا مانع هنا من حملها على الحقيقة بإجرائها على عمومها، ولو سلم بصحة الأثر الذي قصر عموم الأذن على أذن علي، رضي الله عنه، فذلك من قبيل تفسير العام بذكر فرد من أفراده، فلا يخصصه، كما قرر ذلك أهل الأصول، فعلي، رضي الله عنه، من جملة الآذان المؤمنة التي وعت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مراد ربه، عز وجل، فصدقت بالخبر العلمي ووعت الحكم الشرعي فلا يمنع ذلك من دخول آذان بقية المؤمنين في هذا العموم فقد وعتها أذن أبي بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة ........... إلخ، رضي الله عنهم، جميعا، بل وعتها كل أذن مؤمنة بعدهم، من لدن بعث النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فقصر هذا العموم على فرد بعينه تحكم محض لا يشهد له نقل أو عقل، وذلك أصل مطرد في مسالك أصحاب المقالات الحادثة فيتصرف صاحب النحلة الطارئة في النصوص تخصيصا بلا مخصص، لينتصر لمقالته ولو على خلاف المتواتر من أدلة النقل، والمطرد من دلالة العقل واللسان العربي الذي نزل به الوحي.

والله أعلى وأعلم.

ـ[السراج]ــــــــ[08 - 04 - 2010, 12:30 م]ـ

لقد هيأتَ لنا - أيُّها المهاجر - قراءةً ماتعة ..

بوركَ وقتُك وعلمُك ..

ـ[البهاء زهير]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 12:18 ص]ـ

لك الطيبات من الشكر العميم على هذه الروائع.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 09:51 ص]ـ

جزاكما الله خيرا أيها الكريمان على المرور والتعليق وشكر لكما حسن الظن.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير