بالمحبة، جئت لألقي موعظة الخ. "
يقول سليمان الخراشي: " فإذا أضفنا هذا التقرير إلى تقرير الشيخ أبو زهره حول كتاب (محمد رسول الحرية) أمكن أن تتكون لنا صورة ذات هدف واضح من كتابات عبد الرحمن الشرقاوي الذي قدم صلاح الدين الأيوبي في قصة (النسر الأحمر) في قالب غير كريم ومجاف لحقائق التاريخ، فهو يجعل منها دعوة مباشرة وصريحة للاستسلام والصلح مع الغرب وطلب السلام الخادع الكاذب، وما كان هكذا صلاح الدين يوماً في حياته ولكنها محاولة لاستغلال النصوص التاريخية لأهواء العصر .. "
ويقول: " وهكذا تترابط أعمال عبد الرحمن الشرقاوي على طريق واحد وهدف واحد وهو يتابع مخطط طه حسين حول بشرية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان كتابه (محمد رسول الحرية) حلقة رابعة لكتاب (على هامش السيرة) كذلك فقد كان كتابه عن (علي) هو الحلقة الثالثة من كتاب (الفتنة الكبرى) إنها نفس الأفكار والطريقة والغاية التي رسمها الاستشراق لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمفاهيمه الباطنية والوثنية اعتماداً على مصدر غير مصادر أهل السنة والجماعة، والتوسع في الأساطير والخيال القصصي والاعتماد على كتاب الأغاني ومتابعة خصوم الشيخين أبي بكر وعمر، كل هذا لا يقدم عملاً تاريخياً أو أدبياً له قيمة ذاتية.
كتاب (محمد رسول الحرية)
إن المناقشة التي قام بها الشيخ أبو زهرة ركزت على السموم الناقعة في الكتاب، قال:
"لم يسلم الكاتب من الخطأ، أو بالأحرى كان له اتجاه غير إسلامي من البداية، فهو ما درس محمداً صلى الله عليه وسلم على أنه رسول يوحى إليه، بل على أنه رجل عظيم له آراء اجتماعية فسرها الكاتب على هوى ما يريد، مدعياً أنه قصاص أديب يصوغ التاريخ في قالب قصصي فني ... وإن أول ما يلمحه القارئ من الكتاب بعد استيعابه جملة وتفصيلاً:
أن الكاتب يقطع النبي صلى الله عليه وسلم عن الوحي، فكل ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم: من مبادئ وجهاد في سبيل الله إنما هي عنده، لا بوحي من الله تعالى، وهي فيه بمقتضى بشريته لا بمقتضى رسالته.
ولعل العنوان الذي اختاره للكتاب –مع إردافه بعنوان آخر صغير- أراد أن يشير به إلى بشرية النبي صلى الله عليه وسلم مبتوته عن الوحي، وهذا العنوان: قوله تعالى معلماً نبيه صلى الله عليه وسلم "إنما أنا بشر مثلكم" فقد اختار هذه الجملة القرآنية ليعلن أن ما وصل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من مبادئ جاهد لأجلها، إنما هو صادر من بشرية كاملة لا عن نبوة.
ولكي يتم له الاستشهاد، اقتطع الجملة اقتطاعاً عما قبلها وما بعدها، فإن هذه الجملة وردت في نصين من نصوص القرآن الكريم أولهما: في آخر سورة الكهف وهو قول الله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً).
وثانيهما: في سورة فصلت وهو قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين).
ونرى النص الذي اختاره شعاراً لكتابة مقطوعاً عما قبله وما بعده، فما قبله هو قوله تعالى مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم بقوله "قل" وهو يصرح بخطاب الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم، وما بعده هو قوله تعالى "يوحى إليّ"، قد أبعده ولم يأت به لأنه لا يتفق مع غرضه الذي يهدف إليه لأنه يريد نفي الوحي عن الحياة المحمدية.
وإن القارئ ليسير قليلاً في الكتاب، حتى يجد الكاتب ينفي الخطاب السماوي للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يذكر أن جبريل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في العيان، فهو يقول في أول نزول الوحي بالقرآن ما نصه.
ولكن في تلك الليلة من رمضان، أغفى قليلاً ثم نام، فرأى من يعرض عليه كتاباً ويطلب منه أن يقرأ، فقال ما أنا بقارئ، ولكنه ألح عليه أن يقرأ، فسأله ماذا أقرأ فقال له: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم): وعندما استيقظ من نومه يحفظ ما سمعه من النوم ويستوضح حلمه فيما بينه وبين نفسه، فإذا به وهو بين اليقظة والنوم كأنه يسمع صوتاً بعيداً يقول له: أنت رسول الله وأنا جبريل؟ (من68،69).
¥