إذا عرفت هذا، فانظر الآن إلى كلام الشيخ الألباني في كثير بن زيد: {كثير بن زيد – وهو الأسلمي المدني – مختلف فيه، وقد قال فيه أبو زرعة - وتبعه الذهبي في الكاشف -: " صدوق، فيه لين ". وقال العسقلاني: " صدوق يخطئ ". وقد ساق له ابن عدي في "الكامل" أحاديث من رواية بعض الثلاثة عنه وقال: " لم أر بحديثه بأسا ". قلت: ويبدو لي من قوله هذا، وأقوال الأئمة الآخرين: أنه وسط حسن الحديث ما لم يخالف، ولذلك حسنت له بعض الأحاديث فيما تقدم من هذه السلسلة، فانظر مثلا 1128 و 1296 من المجلد الثالث} (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 3462).
وقال أيضا: {وقد تكلم فيه أئمة الحديث فمنهم وثقه ومنهم ضعفه ومنهم مشاه وهو الأرجح وترى أقوالهم فيه في التهذيب ولخصها الحافظ بقوله: (صدوق يخطئ)، وهذا يعني أنه عنده حسن الحديث أو يقاربه} (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 2636).
وهذا كلام صحيح، فقد رأيت الحافظ يقول - بعد أن ذكر حديثاً من سنن أبي داود -: {وإسناده حسن ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب وهو صدوق} (التلخيص الحبير ج 5 ص 229). وهكذا حسن حديثه في نتايج الأفكار ج 1 ص 229 وقال: {هو صدوق}.
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: {كثير بن زيد الأسلمي، مختلف فيه، وهو حسن الحديث لا بأس به} (صحيح ابن حبان رقم 5091).
وقد حسن له أيضاً الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش في تحقيقه على " الأحاديث المختارة " لضياء الدين المقدسي (راجع حديث رقم 1063)، والدكتور بشار عواد معروف في تحقيقه على سنن ابن ماجة (رقم 1012 و1446) وقال: {هو صدوق حسن الحديث}.
أما الشيخ أحمد محمد شاكر فقال: {كثير بن زيد الاسلمي المدني: ثقة، قال أحمد: " ما أرى به بأساً "، وقال ابن معين: " صالح"، وذكره ابن حبان في الثقات، وترجم له البخاري في الكبير فلم يذكر فيه جرحاً}، ثم صحح أحاديثه في المسند (راجع حديث رقم 1529 من المسند بتحقيقه). فالظاهر أن الجرح في كثير بن زيد - عند الشيخ أحمد شاكر - من قبيل المبهم غير المفسر، وتقدم الجرح على التعديل مقيدة بأن يكون الجرح مفسراً، فان الجرح المبهم غير مقبول مطلقاً على المذهب الصحيح، فلا يمكن أن يعارض التعديل وإن كان مبهماً (هذا نص ما قاله العلامة محمد عبد الحي اللكنوي في " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل " ص 27 إلى 34).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في تخريجه لهذا الحديث " إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي " بعد أن ذكر رواية أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم وجابر بن عبد الله: {ثم وجدت له شاهدا قوياً من حديث علي مرفوعا بلفظ ... أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 307) من طريق أبي عامر العقدي: حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي مرفوعا ... ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، و غالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. و الله أعلم. ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، و أن الصواب كثير بن زيد، ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر العقدي، و في الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه. ثم ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم (1558)} (سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1761).
فكم فرق بين قوله رحمه الله: {رجاله ثقات}، وقولكم حفظكم الله { ... محمد بن عمر بن علي (مجهول)، عن أبيه (مجهول) ... }.
وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط في هذه الرواية: {إسناده حسن. كثير بن زيد مختلف فيه وحديثه من قبيل الحسن وله طرق وشواهد يصح بها كما يأتي ... وأورده ابن حجر في المطالب العالية (3972) ونسبه إلى إسحاق بن راهويه في مسنده وصحح إسناده وأورده أيضا السيوطي في الجامع الكبير قسم الأفعال ص 66 وزاد نسبته إلى ابن جرير والمحاملي في أماليه وقال: صحح} (مشكل الآثار بتحقيقه حديث رقم 1760).
وقال الحافظ البوصيري عقب هذه الرواية: {رواه إسحاق بسند صحيح} (اتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة ج 9 ص279).
فالخلاصة: رواية علي رجالها ثقات كما قال الشيخ الألباني سوى كثير بن زيد وهو وسط حسن الحديث كما قال جمع من العلماء، والله تعالى أعلم.
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[30 - 06 - 07, 07:19 م]ـ
أخي الكريم نويرجمن
وعليكم السلام ورحمة الله
كثير بن زيد: لا أعلم أحداً قال عنه "ثقة" إلا ابن عمار. هذا أمام الجمع الغفير الذين ضعفوه وطعنوا في حفظه، حتى قال الطبري -وصدق الطبري-: وكثير ابن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله. فمن أين يأتيه الحسن؟ هذا كلام لا يقبل، بل هو ضعيف الحفظ. وكونه صدوقاً صالحاً لا يكفي لقبول حديثه بل لا بد من قوة الحفظ وجودته. أما تحسين الألباني له فيذكرني بقول المعلمي: وتحسين المتأخرين فيه نظر. فإن الكلام في ضعف حفظه جرح مفسر، ومن جرحه وهم الجمهور أعلى مقاماً من الذي وثقه. فالرجل لا يحتج به في دين الله.
محمد بن عمر بن علي ليس فيه توثيق من أحد ممن يعتبر من المتقدمين، بل قال عنه ابن القطان: مجهول الحال. وهو كما قال، فإن رواية الجمع عنه ترفع عنه جهالة العين لكن جهالة الحال باقية. وكذلك عمر بن علي، مجهول الحال لا يُعرف. وقول الدارقطني في رواية البرقاني كان عن إسناد جمعي، وهذا لا يعتبر توثيقاً كاملاً. وهي مسألة خفيت على الكثيرين وبينها المعلمي في التنكيل بالأدلة الواضحة. فالدارقطني يورد إسناداً ويقول رجاله ثقات، مع أن فيه من تكلم هو نفسه فيهم بسوء الحفظ. وإنما يقصد إثبات العدالة فحسب، كما فعل ذلك عدد من المتقدمين، لكن الدارقطني أكثر من هذا مما دفع الذهبي في الموقظة إلى اتهامه بالتساهل في "بعض الأحيان".
فالخلاصة أن حديثاً ما رواه إلا ضعيف الحفظ عن مجهول الحال عن مجهول الحال عن صحابي مشهور ذي أصحاب ثقات كثر، هو حديث منكر لا يحتج به.
¥