تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 - ومنها: ما حكم به ابن الجوزي مِنْ وضْعِ حديث: «من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه» لما قد يكون فهمه من ظاهر المتن من الوعيد الموجب للبراءة ممن فعل ذلك وهو لا يكفر بفعل ذلك؟ وقد تعقب الحافظ في «القول المسدد» [ص/ 21] هذا الفهم، فقال: «إن هذا من الأحاديث الواردة في معرض الزجر والتنفير ظاهرها غير مراد، وقد وردت عدة أحاديث في الصحاح تشتمل على البراءة وعلى نفي الإيمان، وعلى غير ذلك من الوعيد الشديد في حق من ارتكب أمورا ليس فيها ما يخرج عن الإسلام، كحديث أبي موسى الأشعري في «الصحيح» في البراءة ممن حلق وسلق، وحديث أبي هريرة: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» إلى غير ذلك مهما حصل من الجواب عنها، ولا يجوز الإقدام على الحكم بالوضع قبل التأمل والتدبر».

قلت: ولابن الجوزي في هذا المضمار هفوات ليست بالقليلة؟ وقد كان يعتمد كثيرًا في هذا المسلك على الحافظ أبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني في كتابه: «الأباطيل»! مع أن خطة الجوزقاني في هذا الكتاب مكشوفة جدًا، فكان لعدم اهتدائه إلى وجوه الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التصادم = تراه يتجشم بالإقدام على الجزم ببطلان جملة من الأخبار الثابتة! كما نبَّه على ذلك الحافظ الذهبي وابن حجر وغيرهما.

4 - ومن ذلك: قول الذهبي في «الميزان» [2/ 684] بعد أن ساق حديث ابن عمر: «خرج رسول الله ? ذات يوم وفي يده كتابان بتسمية أهل الجنة وتسمية أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم»، قال: «قلت: هو حديث منكر جدا، ويقضي أن يكون زنة الكتابين عدة قناطير»! وقد تعقبه الحافظ في «اللسان» قائلا: «وليس ما قاله من زنة الكتابين بلازم، بل هو معجزة عظيمة، وقد أخرج الترمذي لهذا المتن شاهدا»، قلت: ولأبي بكر ابن العربي وغيره كلام جيد في تأويل هذا الحديث ونفْي النكارة عنه، وللذهبي من أمثال هذا القبيل جملة.

#####

إذا عرفتَ هذا: فاعلم أن هذا الحديث صحيح ثابت كالشمس، لا شك فيه ولا لبْس! وقد سبق أن أبا داود ذكر في سننه [746/ 1]، أن حماد بن سلمة قد رواه عن حميد أو ثابت- وهو البناني- عن أبي المتوكل به ... مرسلا، وهذا الطريق قد أخرجه الحارث في «مسنده» [1/ رقم 232 / زوائده]، ولكن من طريق حماد عن ثابت عن أبي المتوكل به نحوه ...

قلت: وسنده صحيح مع إرساله، وهو مما يقوي حديث أبي سعيد، وليس بعلة له كما نقله الحافظ عن بعضهم؟ وكما استروح إليه بعض أصحابنا من المتأخرين!

وقد وجدت له شاهدًا مرسلا آخرًا: عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي: «أن امرأة شكت زوجها إلى النبي ? أنه يضربها! قال: فأتى النبي ? فقال: إنها تصوم بغير إذني! فقال لها النبي ?: لا تصومي إلا بإذنه، فقالت: إنه إذا سمعني أقرأ سورة من القرآن يضربني! قال: فقال: إن معي سورة ليس معي غيرها هي تقرؤها! قال: لا تضربها فإن هذه السورة لو قسمت على الناس لوسعتهم! قالت: إنه ينام عن الصلاة! قال: إنه شيء ابتلاه الله به فإذا استيقظ فليصل» أخرجه الخطيب في «الأسماء المبهمة» [2/ 142/طبعة الخانجي]، من طريق موسى بن عامر- وهو ابن عمارة الخريمي- قال: حدثنا عيسى بن خالد- وهو اليمامي - عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن إياس عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي به ...

قلت: وسنده صالح، وعبيد الله بن عبيد بن عمير تابعي ثقة مشهور، وقد قال الخطيب عقب روايته: «هذا الرجل- يعني المذكور في الحديث -: صفوان بن المعطل الذكواني، الحجة في ذلك ... » ثم ساق حديث أبي سعيد، وقد بسطنا تخريج هذا الحديث مع الرد على من ضعفه متنًا وسندًا في كتابنا: «غرس الأشجار بتخريج منتقى الأخبار» والله المستعان لا رب سواه.

انتهى بحروفه من: (رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى) [رقم/1037].

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير