وهذا يدل على ان الامام أحمد رحمه الله لم يشترط الصحة في مسنده، وإنما اشترط الشهرة ومعنى الشهرة، أي: ما عرف عند الحفاظ واشتهر، وإن لم يشتهر ويعرف عند من هو دونهم، وليس المراد به الشهرة عند أهل الاصطلاح، وقد قال الإمام أحمد لابنه عبدالله لما سأله عن حديث ضعيف ذكره في المسند قال: إنما قصدت في المسند المشهور، وتركت الناس تحت ستر الله، ولو أردت أن أقصد ما صح عندي، لم أرو هذا المسند الا الشيء بعد الشيء، وهذا حكاه غير واحد من الأئمة وجماعة من الحنابلة كأبي يعلى وابن تيمية وابن القيم وغيرهم.
ولهذا تجد أن الإمام أحمد أخرج أحاديث في مسنده، ومع هذا يعلها، بل منها ما ينكره، والامثله على هذا كثيرة جداً، ومنها هذا الحديث، وكذلك ما أخرجه الامام أحمد في مسنده من طريق أبي العميس عتبة عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان النصف من شعبان، فأمسكوا عن الصوم حتى يكون رمضان)، وقد نقل حرب عن أحمد قوله في هذا الحديث: هذا حديث منكر، ولم يحدث العلاء بحديث أنكر من هذا، وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث به، ومن ذلك أيضاً ما أخرجه في مسنده من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)، وقال: لا يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما أخرجه في مسنده من حديث إسماعيل عن قيس عن جرير بن عبد الله البجلي قال: (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعه الطعام بعد دفنه من النياحة)، وقد نقل أبو داود عن الإمام أحمد قوله فيه: لا أصل له، ومنه ما أخرجه في مسنده من حديث بقية عن عثمان بن زفر عن هاشم عن بن عمر قال: (من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفيه درهم حرام، لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه)، قال: ثم أدخل إصبعيه في أذنيه، ثم قال: صمتا إن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، سمعته يقوله، وقد قال أحمد: ليس له إسناد، يعني بهذه العبارة: ليس له إسناد يعتمد عليه، وهو أشبه بالأحاديث التي تروى، وليس لها إسناد أصلاً، وكذلك من الأمثلة هذا الحديث الذي معنا، كما ذكرناه في النهي عن الاغتسال بفضل الرجل والمرأة.
شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام.
وذكر نحوه في أسانيد التفسير، وزاد:
ومنها: ما رواه عن أبي مجلز عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في الركعة الأولى من صلاة الظهر، فرأى أصحابُه أنه قرأ (تنزيل) السجدة، وقد قال أحمد: (ليس له إسناد).
وهذه أمثلة في الضعيف وما لا أصل له، وقد أخرجها في مسنده، وحديث جرير قد أخرجه في مسند عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم يخرجه في مسند جرير.
وقد سبق أن طرح الشيخ عبد الرحمن الفقيه في هذا الملتقى المبارك موضوعاً بعنوان:
فوائد من فتح الباري لابن رجب (أحاديث أنكرها أحمد، وهي في مسنده).
لعلك تبحث عن هذا الموضوع لتستفيد منه.
ـ[ابو عبد الله الهلالى]ــــــــ[21 - 07 - 10, 01:52 ص]ـ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showpost.php?p=27925&postcount=12
ـ[غالب الساقي]ــــــــ[21 - 07 - 10, 06:35 ص]ـ
جاء في كتاب " إثمد الجفن في حكم الاجتماع عند أهل الميت وصنيعة الطعام بعد الدفن " تأليف أبي محمد وليد بن سلمان ص 41:
"وأما ما نقله الإمام أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 388 طبعة مكتبة ابن تيمية ط 1: " ذكرت لأحمد حديث هشيم عن إسماعيل بن قيس عن جرير: كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنعة الطعام لهم من أمر الجاهلية " قال: زعموا أنه سمعه من شريك. قال أحمد: وما أرى لهذا الحديث أصلا.
فالجواب عنه من وجوه:
أولها: أن متن الحديث في سؤال أبي داود مغاير لمتن الحديث الذي رواه هشيم.
ثانيها: أن المعهود من سنة النبي صلى الله عليه وسلم صناعة الطعام لأهل الميت، وليس من أمر الجاهلية كما في سؤال أبي داود، ولعل هذا الأمر هو الذي دفع الإمام أحمد أن يقول: وما أرى لهذا الحديث أصلا. ... إلخ "انتهى كلامه.
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[21 - 07 - 10, 07:09 ص]ـ
جاء في كتاب " إثمد الجفن في حكم الاجتماع عند أهل الميت وصنيعة الطعام بعد الدفن " تأليف أبي محمد وليد بن سلمان ص 41:
"وأما ما نقله الإمام أبو داود في مسائل الإمام أحمد ص 388 طبعة مكتبة ابن تيمية ط 1: " ذكرت لأحمد حديث هشيم عن إسماعيل بن قيس عن جرير: كنا نعد الاجتماع عند أهل الميت، وصنعة الطعام لهم من أمر الجاهلية " قال: زعموا أنه سمعه من شريك. قال أحمد: وما أرى لهذا الحديث أصلا.
فالجواب عنه من وجوه:
أولها: أن متن الحديث في سؤال أبي داود مغاير لمتن الحديث الذي رواه هشيم.
... إلخ "انتهى كلامه.
كلامه هذا بعيد جدًّا.
ولعل منشأ الإشكال فيه: البعد عن تفهُّم أساليب الأئمة وطرائقهم في مذاكراتهم وسؤالاتهم.
فقد كانوا يتسامحون ويتجوَّزون في ذكر الأحاديث أسانيدَ ومتونًا بما يكفي لتذكُّر الحديث ومعرفته، وهذا الغرض من المذاكرة.
ولهذا تجوَّز أبو داود في سياقة المتن، وحكاه بمعناه، وحكايته كانت بمعناه حقًّا؛ فالنياحة من أمر الجاهلية -كما ثبت في الصحيح-.
ثم إن أبا داود قال: (ذكرت لأحمد حديث هشيم، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير ... )، وليس في الدنيا لهشيم حديثٌ بهذا الإسناد؛ ومضمونه في الكلام على الاجتماع عند أهل الميت وصنعة الطعام لهم= إلا الحديث المعروف الذي رواه الناس عنه.
وقد كان من عادتهم في المذاكرات ذكر طرف الإسناد للحديث المشهور؛ ليُستَدَلَّ به عليه، فحكى أبو داود طرف إسناد هذا الحديث المشهور من حديث هشيم؛ ليتعرَّف عليه أحمد، فيحكم عليه.
وهذا يفيد أن أبا داود حكى الحديث بالمعنى، وأن الحديث واحد.
والله أعلم.
¥