تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

.. فالذي يزداد قوة مع الإدغام هو كإدغام التاء في الطاء، نحو: (وقالت طائفة) [آل عمران: 72]، و (ودت طائفة) [آل عمران: 69]؛ لأن التاء حرف ضعيف للهمس الذي فيه، والطاء حرف قوي للإطباق والجهر [10] والاستعلاء والشدة اللواتي فيها، فهو أقوى من التاء كثيرا، فإذا أدغمت التاء نقلتها من ضعف إلى قوة مكررة، فهذا لا تكاد العرب تظهره، وكذلك أجمع القراء على الإدغام في هذا.

... فإن نقصت قوة الحرف الثاني، وهو مع نقص قوته أقوى من الأول حَسُنَ الإدغام والإظهار؛ نحو: (لهدمت صو?مع) [الحج: 40]، و (حملت ظهورهما) [الأنعام: 146]؛ لأن الصاد نقصت عن قوة الطاء لعدم الجهر، وكون الهمس فيها، والظاء نقصت عن قوة الطاء لعدم الشدة، وكون الرخاوة فيها [11].

... والذي تتساوى قوة الحرفين فيه إدغام الذال في التاء، وذلك أن الذال فيها ضعف وقوة، فالضعف من جهة أنها رخوة، والقوة من جهة أنها مجهورة، كذلك التاء فيها ضعف وقوة، فالضعف من جهة أنها مهموسة، والقوة من جهة أنها شديدة، فقد تقاربتا في القوة والضعف من صفاتهما، والأول حسن في الأدغام، لأنك تزيد الحرف الأول قوة بالإدغام [12].

... والذي يقبح الإدغام فيه لقوة الأول وضعف الثاني نحو إدغام الراء في اللام، وهو قبيح لقوة الراء بالجهر والتكرير اللذين فيه، وضعف اللام لعدم التكرير فيه، وضعف الجهر فيه، فإذا أدغمت نقلت الأقوى إلى الأضعف وذلك مكروه ضعيف [13]. فقس عليه هذا، فإنه الأصل الذي يعتمد عليه) [14].

... وقال الداني: (لا يُدْغمُ الأفضل في الأنقص لذلك، ويُدْغم الأنقص في الأفضل لأنه يخرج بذلك إلى الحرف الأقوى، وإخراج الأضعف إلى الأقوى جائز لأنه يقوي فيه.

... وجملة الحروف التي تمتنع من الإدغام لزيادة صوتها ثمانية أحرف، وقد جمعتها في قولك: فزم ضرس شص: الشين والضاد والراء والصاد والسين والزاي والميم والفاء. أما الشين فمن أجل تفشيها، وأما الضاد فلاستطالتها [15]، وأما الراء فلتكريرها، وأما الصاد والسين والزاي فلصفيرهن، وأما الميم فلغنَّتها، وأما الفاء فلتفشِّيها) [16].

... ه - كلما تقاربت المخارج وتدانت كان الإدغام أقوى، وكلما تباعدت المخارج ازداد الإظهار حُسْناً [17].

... وهذا الأصل يفسر لنا كثيرا من حالات الإظهار والإدغام، ويكفي دليلا على ذلك ملاحظة حالات عدم إدغام لام التعريف والنون الساكنة والتنوين وإظهارهما، فإذا نظرتَ إلى خارطة توزيع مخارج أصوات العربية الآتية:

ب م و

ف

ث ذ ظ

س ص ز

ت د ط ض

ن ل ر

ش ج ي

ك

ق

غ خ

ع ح

ء ه

أدركتَ أثر قرب مخارج الأصوات بعضها من بعض في ظاهرة الإدغام، فلام التعريف تدغم فيما قَرُبَ إليها من أصوات، وهي أصوات طرف اللسان: أصوات المخارج رقم 3 و 4 و 5 و 6 وصوت الشين من المخرج السابع، وتظهر عند بقية الأصوات لبعدها عنها.

... وكذلك الحال في النون الساكنة، فإنها تدغم في أقرب الأصوات إليها، وهي اللام والراء، وتظهر عند أبعد الأصوات عنها، وهي أصوات الحلق الستة (ء ه - ع ح - غ خ)، وتكون بين الإظهار والإدغام مع بقية الأصوات، وهي الحالة التي تعرف بالإخفاء [18].


[1] سيبويه: (الكتاب) 4/ 417.
[2] ينظر: ابن يعيش: (شرح المفصل) 10/ 121 - 122 و 131.
[3] ينظر: ابن الباذش: (الإقناع) 1/ 195، وابن الجزري: (النشر) 1/ 274.
[4] سيبويه: (الكتاب) 4/ 467 و 469، وينظر: الرضي: (شرح الشافية) 3/ 264.
[5] سيبويه: (الكتاب) 4/ 418 و 449 و 450 و 451 و 454 و 462، وينظر: المبرد: (المقتضب) 1/ 207، وابن السراج: (الأصول) 3/ 413 و 428.
[6] ينظر: الزبيدي: (الواضح) ص 284، وابن يعيش: (شرح المفصل) 10/ 134.
[7] المبرد: (المقتضب) 1/ 211، وينظر 1/ 222.
[8] ابن السراج: (الأصول) 3/ 428.
[9] ينظر: مكي: (الكشف) 1/ 137، وغانم الحمد: (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) / 328.
[10] وصف علماء العربية والتجويد الطاء بالجهر، وهي في النطق المعاصر مهموسة.
[11] روى حفص عن عاصم إظهار التاء الساكنة عند الصاد والظاء. [ابن الجزري: (النشر) 2/ 4 - 5].
[12] وذلك مثل: (وأخذتم) [آل عمران: 81]، (عُذت) [غافر: 27]، وروى حفص عن عاصم إظهار الذال فيهما. [ابن الجزري: (النشر) 2/ 15 - 16].
[13] وذلك مثل (يغفر لكم) [نوح: 4]، روى السوسي عن أبي عمرو فيه الإدغام [ابن الجزري: (النشر) 2/ 12].
[14] (الكشف) 1/ 135 - 136.
[15] الاستطالة من صفات الضاد القديمة [ينظر: سيبويه: (الكتاب) 4/ 457].
[16] الداني: (الإدغام الكبير) 6و - 6ظ، وينظر: ابن يعيش: (شرح المفصل) 10/ 133، والرضي: (شرح الشافية) 3/ 270.
[17] ينظر: سيبويه: (الكتاب) 4/ 446، والداني: (الإدغام الكبير) 6و، وابن يعيش: (شرح المفصل) 10/ 132.
[18] لمن أراد التفصيل لإدغام لام التعريف والنون الساكنة ينظر (الدراسات الصوتية) ص 416 و 426. "
انتهى. وفقنا الله وإياكم للحق.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير