[شيخ الإسلام:التحرك بمجرد الصوت من قلة العقل وضعف الرأي]
ـ[أبو السها]ــــــــ[27 - 01 - 09, 04:33 م]ـ
هذا كلام قيم لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مسألة أحكام الصوت الحسن: ((الفتاوى 1/ 76, 77)): (فالسماع الشرعي الديني: سماع كتاب الله, وتزيين الصوت به, وتحبيره, كما قال r (( زينوا القرآن بأصواتكم)) وقال أبو موسى: (لو علمت أنك تستمع لحبرته تحبيراً) والصور والأزواج, والسراري التي أباحها الله تعالى. والعبادة: عبادة الله وحده لا شريك له ? فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ ?. وهذا المعنى يقرر قاعدة: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. وينهى أن يشبه الأمر الديني الشرعي بالطبيعي البدعي لما بينهما من القدر المشترك كالصوت الحسن, ليس هو وحده مشروعاً, حتى ينضم إليه القدر المميز, كحروف القرآن, فيصير المجموع من المشترك, والمميز هو: الدين النافع). انتهى.
قال الشيخ بكر معقبا ((بدع القراء:20)):وعليه: فلا يعلق الصوت الحسن: بذل الإكرام والتجلة لصاحب الصوت الحسن على ما يبذله من صوت حسن, كما لا يعلق الإِكرام على حسن الصورة, لمن كان جميلاً, فعشق الصوت المجرد كعشق الصورة في النهي سواء. ولا تغتر بفعلات المتصوفة من التعبد بعشق الصورة بدون فاحشة, وإكرام صاحبها, والتعبد بعشق الصوت الحسن بدون قول زور أو منكر, وجعل ذلك من سبل التعبد والإِكرام, فهذا ضلال وفساد.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله ((الاستقامة 1/ 372, 374)): (وهذا الذي ذكرناه من أن الحَسَن الصورة والصوت, وسائر من أنعم الله عليه بقوة أو بجمال أو نحو ذلك, إذا اتقى الله فيه كان أفضل ممن لم يؤت ما لم يمتحن فيه - فإن النعم محن - فإن أهل الشهوات من النساء والرجال يميلون إلى ذي الصورة الحسنة, ويحبونه ويعشقونه, ويرغِّبونه بأنواع الكرامات, ويرهِّبونه عند الامتناع بأنواع المخوِّفات, كما جرى ليوسف عليه السلام وغيره. وكذلك جماله يدعوه إلى أن يطلب ما يهواه, لأن جماله قد يكون أعظم من المال المبذول في ذلك.
وكذلك حَسَن الصوت قد يُدعى إلى أعمال في المكروهات, كما أن المال والسلطان يحصل بهما من المكنة ما يُدعى مع ذلك إلى أنواع الفواحش والمظالم, فإن الإنسان لا تأمره نفسه بالفعل إلا مع نوع من القدرة, ولا يفعل بقدرته إلا ما يريده, وشهوات الغيّ مستكنّة في النفوس, فإذا حصلت القدرة قامت المحنة, فإما شقي وإما سعيد, ويتوب الله على من تاب. فأهل الامتحان إما أن يرتفعوا وإما أن ينخفضوا. وأما تحريك النفوس عن مجرد الصوت, فهذا أيضا محسوس, فإنه يحركها تحريكاً عظيماً جداً بالتفريح والتحزين, والإغضاب والتخويف, ونحو ذلك من الحركات النفسانية, كما أن النفوس تتحرك أيضا عن الصور بالمحبة تارة وبالبغض أخرى, وتتحرك عن الأطعمة بالبغض تارة والنفرة أخرى, فتحرك الصبيان والبهائم عن الصوت هو من ذلك, لكن كل ما كان أضعف كانت الحركة به أشد, فحركة النساء به أشد من حركة الرجال, وحركة الصبيان أشد من حركة البالغين, وحركة البهائم أشد من حركة الآدميين, فهذا يدل على أن قوة التحرك عن مجرد الصوت لقوة ضعف العقل, فلا يكون في ذلك حمد إلا وفيه من الذم أكثر من ذلك, وإنما حركة العقلاء عن الصوت المشتمل على الحروف المؤلَّفة المتضمنة للمعاني المحبوبة, وهذا أكمل ما يكون في استماع القرآن. وأما التحرك بمجرد الصوت, فهذا أمر لم يأت الشرع بالندب إليه, ولا عقلاء الناس يأمرون بذلك, بل يعدُّون ذلك, كالذي يفزع من مجرد الأصوات المفزعة المرعبة. وعن مجرد الأصوات المغضبة). انتهى.
قال الشيخ بكر في نفس المرجع ص: 22/ 23: (والحاصل: أن مجرد الصوت حسناً أو غير حسن, لم يعلق الله عليه حكماً, لا مدحاً, ولا ذماً, بل لا يجوز فيه ذمه إذا كان غير حسن, لأنه خلْق الله, لا اختيار للعبد فيه, وأن الصوت الطبعي الحسن, نعمة على العبد, و ((النعم محن)) فإن استعمله في الطاعة في قراءة كتاب الله تعالى كان ذلك أمراً مرغوباً فيه شرعاً, واستماعه مرغوب شرعاً لا لذات الصوت, لكن لأنه يحمل كلام الله, ويحببه إلى النفوس ويوصل معانيه إلى القلوب, وأن من كان كذلك لم يمنحه الشرع حكماً مستقلا لذات الصوت دون غيره. وأن تحريك الصوت للإِنسان أمر طبعي, كما يتحرك كل إلى ما يناسبه من الأصوات وإنما التعبد أن يتحرك العبد إلى كلام الله وما فيه من العظة والعبرة, والتذكير بالمصير, وبالجنة والنار, وعظيم الحكم والأحكام, أما لو تحرك عند قراءة القرآن طرباً لمجرد حسن الصوت, دون ما يحمله من آيات القرآن الكريم, فهذا عشق مجرد من التعبد, لعدم ورود أمر التعبد عليه في الشرع المطهر. ... ))
قلت: فهذا كلام نافع في التمييز ما كان مقبولا في مسألة الخشوع بالصوت الحسن وما كان مذموما، والأمور بمقاصدها.
ولمزيد الفائدة في الموضوع ينظر كتاب الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله (بدع القراء القديمة والمعاصرة).
¥