تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

? قلنا: في هذا التعقب من الخطأ ما يندى له الجبين، وفي وضوح الخطأ مسوغ لترك الحديث عنه، ولكنها كلمة الحق التي جعلها الله أمانة في أعناقنا أجبرتنا على الخوض فيه.

فهذا كلام ملؤه التسرع والتخليط وعدم التحرير، وإنا لا نترك كلامنا من غير أدلةٍ كما يفعل غيرنا، وإليك الأدلة:

الأول: إنه قد ورد في الترجمة من مطبوعة عبد الوهاب عبد اللطيف (1/ 499 الترجمة 1119) زيادة كلمة: ((مقصوراً) بعد قوله: ((ثمَّ راء))، وتبعاً لذلك زادها مصطفى عبد القادر في طبعته (1/ 591 الترجمة 4027)، ومهما تكن هذه الزيادة (صحيحة أو سقيمة) فكان الأولى بالمحررين!! أن يشيرا إليها، فهي من الفوارق الجوهرية التي تحسن العناية بها والإشارة إليها، لاسيما وقد وعدا بتتبع الطبعات السابقة في مقدمتهما (1/ 45).

الثاني: كل من يعرف القراءة، ويفهم ما يقرأ، ويعقل ما يكتب، يدرك أن ابن حجر قال عنه: ((صدوق))، فما فائدة تعقبه بـ ((صدوق حسن الحديث))، وكلنا يعرف أن حديث الصدوق عند عدم المتابعة حسن، فهل اكتشفا بذلك شيئاً جديداً يستحقان عليه جائزة للآداب؟! أم هو مجرد الكلام ومحاولة تخطئة وتعقب ابن حجر بأي شكل وأي شيء كان؟؟

الثالث: جزما بضعف روايته عن الأعمش، وهو التهور بعينه، وعدّاه استدراكاً عظيماً، والواقع أن عبارة ابن حجر أدق، تنم عن ورعٍ وتأنٍ واستيعاب في إصدار حكمه، إذ إن ضعف مروياته عن الأعمش محل نظر وتأمل، بيانه ما يأتي:

كان عمدة المحررين في إصدار حكمهما بضعف مرويات ابن مغراء عن الأعمش ابن عدي في الكامل (5/ 471 طبعة أبي سنة) إذ قال ابن عدي: ((حدثنا ابن أبي عصمة ومحمد بن خلف، قالا: حدثنا محمد بن يونس، قال: سمعت علي بن عبد الله يقول: عبد الرحمن بن مغراء أبو زهير ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث، تركناه، لم يكن بذاك)).

هذا نص ابن عدي، وليت شعري كيف بمن يتكلم في الرجال ويتعقب الجبال، لا يعرف من هو محمد بن يونس، فإن كانا لا يعرفانه فهما معذوران، فقد رأينا من عدم معرفتهما بحال من هو أكثر وضوحاً من محمد بن يونس الشيء الكثير، وإن كانا يعرفان، فالحكم لك أيها المنصف، والله يهدي إلى سواء الصراط.

نقول: محمد بن يونس هذا هو الكديمي، صرح بذلك الذهبي في ميزانه (2/ 592 الترجمة 4980). والمحرران نقلا قوله لأنه يخدم ما يريدانه.

والكديمي هذا كذاب، والعجب من ابن عدي كيف يحتج بنقله وقد ترجم له في الكامل (7/ 553 طبعة أبي سنة)، وافتتح ترجمته بقوله: ((اتهم بوضع الحديث وبسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده ((موسى)) بأن لا يعرف)).

وقال ابن حبان (المجروحين 2/ 313): ((كان يضع على الثقات الحديث وضعاً، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث)).

فمن حاله هذه أفيحتج به في ثلم أعراض المسلمين وتجريحهم؟!

والعجب العجاب أن ابن عدي نفسه رد في الكامل (3/ 517 طبعة أبي سنة) كلام ابن المديني في خليفة بن خياط، لكونه من طريق الكديمي، وإليك كلامه بطوله لتعلم الصواب، قال ابن عدي بعد نقل كلام ابن المديني: ((ولا أدري هذه الحكاية عن علي ابن المديني: لو لم يحدث شباب كان خيراً له))، صحيحة أم لا؟!. قال ابن عدي: إنما يروي عن علي ابن المديني الكديمي، والكديمي لا شيء، وشباب من متيقظي رواة الحديث وله حديث كثير، وتاريخ حسن، وكتاب في طبقات الرجال وكيف يُؤمَن بهذه الحكاية عن علي فيه؟! وهو من أصحاب علي ألا ترى أنه حمله الرسالة إلى أبي الوليد في ابن معين، سيما إذا كان الراوي عن علي: محمد بن يونس، وهو الكديمي، فدل هذا على أن الحكاية عن علي باطلة (1) …)).

فما بال الحكاية باطلة هنا وصحيحة هناك؟؟! (انظر تعليق الشيخ محمد عوامة على الكاشف 1/ 644). وانظر في ترجمة الكديمي تهذيب التهذيب (9/ 541)، والمجروحين (2/ 312 - 314).

الرابع: إن قول ابن المديني – في حالة صحته – يقتضي الحكم بضعف جميع مروياته، وعدم تخصيصها بالرواية عن الأعمش، وهذا أمر منتقض، واضح الضعف.

الخامس: نقل المحرران كلام ابن عدي، يشيدان به ما أسساه – وهو على جرفٍ هارٍ – وابن عدي إنما أسس كلامه على نقله عن ابن المديني وهو من طريق الكديمي وقد سبق وتحدثنا عنه.

السادس: ما أنصفا الرجل، فلم يذكرا سوى قول أبي زرعة: صدوق، وقول ابن معين والذهبي: لم يكن به بأس، وتوثيق أبي خالد الأحمر.

وهناك أقوال أخرى فيه: قال عيسى بن يونس: كان طلابة، وقال أبو خالد الأحمر: طلب الحديث قبلنا وبعدنا، وكذا قال وكيع (تهذيب الكمال 4/ 474 الترجمة 3952).

وقال الذهبي في ديوان الضعفاء (2/ 107 الترجمة 2492): ((صدوق)).

لذا قال الشيخ عوامة: ((الرجل صدوق مطلقاً إن شاء الله)).

وقال الشيخ صالح بن حامد الرفاعي في كتابه الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم (ص 192): ((وخلاصة القول في عبد الرحمن بن مغراء: أنه صدوق، كما قال ابن حجر، ولم يثبت تضعيفه في روايته عن الأعمش)).

فهل هذا هو التحرير، وهل هذا هو الإنصاف ومراعاة الحق أينما كان

نسأل الله أن يبصرنا بالحق، ويلهمنا قوله والعمل به.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير