ثم يأتي البسطاء من طلبة العلم المبتدئون فيسارعون باقتناء الكتاب بطبعته الجديدة، ويبيعون ما عندهم من طبعته الأولى في مكتبات «الكتاب المستعمل» بسعر زهيد ..
وكان على هذا المحقق الانتظار، حتى يتمكن من الحصول على هاتين النسختين، ولو ترتب على حصوله عليهما شيء من بذل الجهد والمال، فلا بأس ولو تأخر طبع الكتاب سنة أو سنتين.
ويعذر المحقق إذا أجهد نفسه في البحث، ولم يجد إلا نسخة واحدة، ولا حرج في طبع الكتاب مرة ثانية إذا وجد نسخة أكمل وأفضل.
أما أنه يجد أكثر من نسخة، ويصرح بذلك، ولم يحضرها، فهذا هو الإشكال.
(2) «تشبُّه الخسيس» للإمام الذهبي. حققه الشيخ: علي الحلبي، وقال في آخر مقدمة التحقيق (ص12): (ثم وقفت - بعد الفراغ من تحقيق الرسالة وتنضيدها وتهيئتها للطبع - على نسخة أخرى منها محفوظات ظاهرية دمشق، وبينهما فروق عدة.
وسأقابلها عليها - إن شاء الله - في الطبعة الثانية بحول الله وطَوْلِه) أ. هـ
ورسالة الذهبي هذه صغيرة الحجم، حيث تتكون من خمس ورقات، فإعادة مقابلة الكتاب على نسخة أخرى - ولو كان مصفوفاً ومنضداً - أمر لا مشقة فيه، فالخطب يسيرٌ، لأن الطبعة الثانية - كما قلت قبل قليل - ستكون على حساب الاستغناء عن الأولى لمن أراد الوقوف على هذه الفروق، ومزايا النسخة الثانية.
وقد سألت فضيلة الشيخ الدكتور: خالد بن سعد الخشلان - حفظه الله - عن مسار عمله في تحقيق كتاب: «الهداية» لأبي الخطاب الكَلْوَذَاني ت (510هـ)، حيث يقوم بتحقيقه الآن، فأخبرني بأنه انتهى من العمل فيه، ولأنه عثر على مخطوطة نفيسة لكتاب «الهداية»، فأبى إخراج الكتاب، وأمهله حتى يقابل هذه النسخة على نُسخه القديمة التي بنى عليها الكتاب؛ وذلك ليخرج العمل أقرب الى ما خطّه المصنف رحمه الله.
وهذا يدل على رجاحة عقل هذا المحقق، وفعله هذا مثال لما أدعو اليه؛ وسبق أن غيره يعثر على نسخة جديدة، ويصر على طبع الكتاب، ويعد في مقدمته أنه سيقابل عليها الكتاب في الطبعة الثانية.
(3) بعض المحققين يقوم بتحقيق الكتاب على احدى المصورات، وتكون هذه المصوّرة ناقصة، وأصلها الخطي كامل ومحفوظ في احدى المكتبات، ثم يسارع بإخراج الكتاب من خلال تحقيق هذه المصورة الناقصة، ويحرم طلاب العلم من الفوائد العلمية الواردة في الأوراق الناقصة، ولم يكلف نفسه بطلب تصوير المخطوط من جديد، أو تصوير الورقات الناقصة.
ووقع لي ذلك في أكثر من كتاب؛ منها أحد أعظم كتب الرجال، وأقدمها؛ وهو: «كتاب الضعفاء الكبير» للعقيلي بتحقيق عبدالمعطي القلعجي سامحه الله، وهو من الكتب المسندة، كما هو معروف.
وبهذا الصنيع حرم هذا المحقق طلاب العلم من عدة رجال حكم عليهم الأئمة بالضعف.
(4) ومنها إحدى طبعات: «معارج القبول» حيث قال المحقق غفر الله له:
(تنبيه: تحقيق هذا الكتاب أتى على عجالة من غير قصد منا؛ فليعذرنا أهل فن التحقيق عن هذا الاختصار، ونعد بأن نوفيه - بقدر الطاقة - حقه في الطبعة الثانية) أ. هـ
والغريب: أن تحقيقه هذا بالرغم من أنه جاء على عجل، ومن غير قصد التحقيق، إلا أنك تجد حواشي مطولة وغريبة؛ ومنها ثلاث حواشٍ على ما جاء في فاتحة الكتاب:
(1) حاشية على أوّل جملة في الكتاب وهي: «بسم الله الرحمن الرحيم» تكلم فيها عن الأوجه الإعرابية ل «البسملة»، مع ذكر بعض الشواهد، وجاءت هذه الحاشية في (سبعة) أسطر، وفيها (سبعة) مراجع.
(2) وحاشية على اسم: «محمد #».
(3) وثالثة على: «آل محمد»، بيَّن فيها من هم «الآل».
(4) ورابعة على: «الحمد»، تكلم فيها عن الافتتاح ب «الحمد»، مع ذكر الأدلة على ذلك، وعلى ضعف هذه الأحاديث، إلا أنه لم يتكلم على حالها، واكتفى في تخريجها بذكر ثلاثة كتب فقهية في المذهب الشافعي، وأصلها كتاب واحد.
المزلق التاسع عشر: (عدم العناية بثبت المصادر والمراجع)
وأعني بهذا المزلق: عدم اهتمام جماعة من المحققين بوضع الفهارس الفنية، وخاصة فهرس المصادر والمراجع، أو ذكرها دون وصفها، فإذا وثق المحقق مسألة، أو عزا لكتاب، فإن أراد القارىء التأكد من هذه المسألة، والرجوع الى مصدر المحقق فيها للاستفادة، فإنه يبحث في أكثر من طبعة للكتاب الواحد، للعثور على الصفحة مباشرة، أو يضطر للبحث عن المسألة في مظانِّها في الكتاب المُحال إليه.
ولو وجد فهرس المصادر، لرجع إليه في حينه، وعلم الطبعة المقصودة في العزو.
(وأنبه هنا الى ثلاثة أمور):
الأمر الأول: هناك جماعة من المحققين والمؤلفين ممن أمضوا زمنا في العمل العلمي، فهؤلاء عُرِفَت الطبعات التي اعتمدوها، وأحالوا إليها في أعمالهم، لشهرتها، وكثرة تداولها بين طلاب العلم والباحثين.
مثل: الإمام المحدث: محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وفضيلة الشيخ: شعيب الأرنؤوط وفقه الله.
لذلك نجد أن هؤلاء إذا أحالوا على كتاب بطبعته الجديدة، فإنهم يذكرون ذلك، ويبينونه.
الأمر الثاني: اعتماد بعض المحققين والمؤلفين في أعمالهم العلمية على أكثر من طبعة للمرجع الواحد، وهذا قد يحصل لظروف علمية اقتضت ذلك، فعليه في هذه الحالة أن يذكر كل الطبعات التي رجع اليها في ثبت المصادر، مع ذكر الطبعة المعتمدة في البحث، وتمييز غيرها عنها عند الإحالة اليها.
ويُعاب هذا الفعل - تعدد الطبعات للمصدر الواحد - إذا لم يكن له ضرورة.
الأمر الثالث: يجب الاعتناء بثبت المصادر بطريقة علمية؛ فلابد للمحقق أن يملىء الحقول المعروفة للكتاب؛ وهي: اسم الكتاب - اسم مؤلف الكتاب - تاريخ وفاته - الناشر - بلد الناشر - رقم الطبعة - تاريخ الطبعة.
ويكون ترتيب هذه المصادر على الحروف الهجائية؛ تسهيلاً للباحث.
واستودعكم الله - تعالى - إلى لقاء آخر في الحلقات القادمة - إن شاء الله - عن مزالق التحقيق.
للتواصل /ص ب: (103871) - الرياض: (11616)
Email:
Shamrani45@Hot mail.com
¥