9 الذين يحيطون بالمتون ويتقنونها ولا يشتكون منها أقرب إلى الابتكار وإلى الاجتهاد من غ يرهم، ومن قال عن المتون: إنها غامضة وعميقة قد يكون كلامه هذا من عدم القدرة على الفهم.
10 ـ وجود بعض الناس ممن اعتنى بالمتون ولميفلح، لا يحكم به على الأكثر.
11 ـ الناظر في تراجم العلماء، وكيفية طلب العلم بالنسبة لهم، يدرك تماماً صحة هذه الطريقة.
12 ـ هذا الأسلوب من التصنيف يربي فضيلة البحث، والتمحيص، وينمي حلية الصبر والاعتماد على النفس، ويعوّد على دقة الملاحظة.
عدم الاعتماد على الكتب:
على طالب العلم أنيأخذه عن أهله ولا يعتمد على الكتب وحدها.
قال الإمام الشافعي:"من دخل في العلم وحده خرج وحده ".
وقال ابن جماعة ـ بعد كلام له ـ:" ويشتغل بشرح تلك المحفوظات،وليحذر من الاعماد في ذلك على الكتب أبداً، بل يعتمد في كل فن من هو أحسن تعليماً له،وأكثر تحقيقاً فيه، وتحصيلاً منه،وأخبرهم بالكتاب الذي قرأه " (1).
وقال أبو حيان النحوي رحمه الله تعالى:
أخا فهم لإدراك العلومغوامض حيرت عقل الفهيمضللت عن الصراط المستقيمتصير أضل من توما الحكيم (1) يظن الغُمر أن الكتب تجديوماعلمالجهول بأن فيهاإذا رمت العلوم بغير شيخوتشتبه الأمور عليك حتى
وقال النووي في المجموع ـ بعد كلام له عما ينبغي لطالب العلم:ـ
" ويعتني بتصحيح درسه الذي يتحفظه تصحياً متقناً على الشيخ ... ولا يحفظ ابتداء من الكتب استقلالاً بل يصحح على الشيخ كما ذكرنا فالاستقلال بذلك من أضر المفاسد. وإلى هذا أشار الشافعي رحمه الله بقوله: من تفقه من الكتب ضيّع الأحكام " (1).
وقال الشاطبي:" من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام .. وإن كان الناس قد اختلفوا هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا؟ فالإمكان مسلّم،ولكن الواقع في مجاري العادات أن لابد من المعلم وهو متفق عليه في الجملة .. واتفاق الناس على ذلك في الوقوع وجريان العادة به كاف في أنه لابد منه، وقد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتحه بأيدي الرجال.
وهذا الكلام يقضي بأن لابد في تحصيله من الرجال إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم، وأصل هذا في التصحيح " إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء " الحديث، فإذا كان كذلك فالرجال هم مفتاحه بلا شك " (1)
وقال:" حسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالماً اشتهر في الناس الأخذ عنه، إلا وله قدوة اشتهر في قرنه بمثل ذلك، وقلما وُجدت فرقة زائغة، ولا أحد مخالف للسنة، إلا وهومفارق لهذا الوصف. وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ، ولا تأدب بآدابهم، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون كالأئمة الأربعة وأشباههم" (1).
وقال:" فصل: وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقان: أحدهما المشافهة،وهي أنفع الطريقين وأسلمهما لوجهين:
الأول: خاصية جعلها الله تعالى بين المعلم والمتعلم يشهدها كل من زاول العلم والعلماء، فكم من مسألة يقرؤها المتعلم في كتاب، ويحفظها، ويرددها على قلبه فلا يفهمك، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة وحصل له العلم بها بالحضرة،وهذا الفهم يحصل إما بأمر عادي، من قرائن أحوال، وإيضاح موضع إشكال، لم يخطر للمتعلم ببال، وقد يحصل بأمر غير معتاد، ولكن بأمر يهبه الله للمتعلم عند مثوله بين يدي المعلم، ظاهر الفقر، بادي الحاجة إلى مايلقى إليه.
وهذا ليس ينكر فقد نبه عليه الحديث الذي جاء:" أن الصحابة أنكروا أنفسهم عندما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم " وحديث حنظلة الأسيدي حين شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنهم إذا كانوا عنده وفي مجلسه كا نوا على حالة يرضونها فإذا فارقوا مجلسه زال ذلك عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو أنكم تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها " وقد قال عمر بن الخطاب:" وافقت ربي في ثلاث " وهي من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم مالا يفتح له دونهم ويبقى ذلك النور لهم بمقدار مابقوا في متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به، فهذا الطريق نافع على كل تقدير ..
الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين،وهو أيضاً نافع في بابه بشرطين:
الأول: أن يحصل لهمن فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة اصطلاحات أهله مايتم له به النظر في الكتب، وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه، وهو معنى قول من قال: كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب، ومفاتحه بأيدي الرجال.
والكتب وحدها لا تفيد الطالب منها شيئاً دون فتح العلماء،وهومشاهد معتاد.
والشرط الثاني: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد، فإنهم أقعد به من غيرهم من المتأخرين،وأصل ذلك التجربة والخبر.
أما التجربة فهو أمر مشاهد في أي علم كان، فالمتأخر لا يبلغ من الرسوخ في علم ما مابلغه المتقدم، وحسبك من ذلك أهل كل علم عملي، أونظري، فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم، ودينهم، على خلاف أعمال المتأخرين، وعلومهم في التحقيق أقعد.
فتحقق الصحابة بعلوم الشريعة، ليس كتحقق التابعين، والتابعون ليسوا كتابعيهم،وهكذا إلى الآن، ومن طالع سيرهم،وأقوالهم، وحكاياتهم، أبصر العجب في هذا المعنى.
وأما الخبر ففي الحديث:" خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم .. " وفي هذا إشارة إلى أن كل قرن مع مابعده كذلك ..
فلذلك صارت كتب المتقدمين،وكلامهم،وسيرهم، أنفع لمن أراد الأخذ بالاحتياط في العلم على أي نوع كان، وخصوصاً علم الشريعة، الذي هو العروة الوثقى، والوَزَر الأحمى وبالله تعالى التوفيق) (1)
¥