تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[أبو الفداء]ــــــــ[29 Dec 2009, 09:08 ص]ـ

وأنا أوافقك ليس كل من تكلم في باب الاعجاز أصاب الحقيقة ولكنها اجتهادات كبقية اجتهادات المفسرين فلو جاز أن نرد كلام كل من تكلم في الإعجاز لأن البعض أخطأ فيه فإنه يجوز أن نرد كل التفسير لأن البعض أخطأ فيه.

أحسن الله إليك، قياسك اجتهادات الباحثين في الإعجاز على اجتهادات المفسرين قياس مع الفارق، فالمفسرون لم يخرجوا بأبحاث يربطون فيها بين نظريات العلوم الدنيوية وكلام رب العالمين على وجه التحدي! ونعم صحيح من المفسرين من يخطئ في اجتهاده، ولكنه لم يخرج يتحدى الكفار باجتهاده ذاك!

المشكلة يا أخي الكريم في تحدي الكفار بما لم يرد النص على التحدي به من القرءان أو السنة .. فهذا فضلا عن كونه تأليا على الشارع - إذ هو سبحانه لم يُنزل في الوحي هذا الكلام الذي تأولوه على هذا التأويل ليتحدى به أحدا (وفرق بين التحدي الذي هو معنى الإعجاز، وبين إضافة دليل جديد على صدق النبوة) - فإنه كذلك من المجازفة، ومن تعريض القرءان والسنة للعبث والتكذيب!

الاعتراض على استعمال لفظة إعجاز Miracle في أبحاث القوم اعتراض وجيه من هذه الجهة .. إذ صاحب النظرية مجتهد فيها قد يصيب وقد يخطئ، والذي يتأول النص القرءاني ليوافق تلك النظرية مجتهد في ذلك أيضا، فهو ظن فوق ظن ..

ولو أنه خرج ليقول: لو صحت هذه النظرية وصح قبول هذا النص لهذا التفسير تفريعا على وجه من الوجوه الصحيحة التي لا تخرج على فهم السالفين له، فهذا من الأدلة على صدق الوحي إذ تكلم النص في مادة تلك النظرية ولم يخالفها، ومعلوم أن النبي تكلم بهذا الكلام قبل أربعة عشر قرنا، فلو كان من رأسه وليس من عند الخالق جل وعلا لتعرض للوقوع في الخطأ! فهذا مما يضاف إلى أدلة صدق النبوة من هذا الوجه.

فبمثل هذا الكلام يبين المتكلم أن هذا تفسيره الظني للنص، وهو يحتمل الصواب والخطأ، وأن النظرية تلك قد يثبت بطلانها في أي وقت، فيسقط حينئذ اجتهاده ذاك في إدخالها في التفسير ويسقط الاستدلال بها على صدق النبوة - وسقوط دليل مما استدل به بعض الناس اجتهادا على دعوى من الدعاوى التي لها مئات بل آلاف من الأدلة، لا يثبت به بطلان تلك الدعوى عند أحد من العقلاء. فنسلم بذلك من الاتهام بلي أعناق النصوص ويتضح للجميع مورد احتمال الخطأ في الكلام بما لا يضر الدعوة ولا يضر كتاب الله.

أما عندما يخرج يقول: "سأثبت لكم إعجاز القرءان، فتأملوا في هذا النص كيف أن صاحبه كان يعلم بهذا المعنى الذي تكلم به فلان في نظريته ولم يكن يعلمه أحد قبل أربعة عشر قرنا! فأتحداكم أن تأتوا بنص مثله من كتب الأولين فيه مثل تلك الموافقة! "

هذا يجازف مجازفة كبيرة، ويتحدى في غير محل التحدي! إذ هو يجزم - ولابد - أولا بأن النبي عليه السلام قد علمه ربه بهذا النص هذا المعنى وأن هذا هو مراده منه لا غير .. ويجزم ثانيا بأن أحدا من العلماء بالفلك وغيره في ذلك الزمان لم يكن قد توصل لمثل هذا الاكتشاف (وهذا في كثير من الأحيان يكون عرضة للأخذ والرد، إذ قد تثبت الاكتشافات الأركيولوجية خلافه).

والكلام فيه مجازفة أخرى إذ لازم التحدي أنك تقول: إيتوني بكتاب سماوي آخر مما ينسب إلى رب العالمين أو إلى كاتب من كتب البشر، جاء فيه كلام لم يعرف بالحس والمشاهدة إلا حديثا بالمكتشفات العلمية!

فعلى هذا المعنى، يدعي الباحث أنه لا يوجد في الأرض كتاب مما يقدسه أصحاب الملل الأخرى وافق بعض المكتشفات الحديثة، وهذا غير صحيح! بل عند النصارى مباحث مشابهة يردون بها على الملاحدة، يستخرجون بها نصوص موافقة لأمور لم تعرف إلا حديثا، ويمكنك مطالعة هذا الرابط لترى بعض ما عندهم من هذا:

http://www.livingwaters.com/witnessingtool/scienceconfirmsthebible.shtml

ونحن نقول: ليس هذا دليلا على صدق رسالتكم ولا كتابكم، لأن الكتاب ثابت فيه بما لا يقبل النفي وقوع التعارض والتناقض وأصول ملتكم فاسدة عقلا بما يغني عن بيانه!

فحتى لو صح أن شيئا من تلك النصوص التي عندكم قد وافق العلم الحديث بعضها، فإنه قد يكون سبب ذلك كون النص من بقايا الحق الذي كان عندكم وضيعتموه، وقد تكون تلك الموافقة من محض المصادفة ولا تدل على شيء!!

فإن كان هذا ما نرد به على دعوى النصارى صدق كتابهم بمثل هذه الأمور، فبمثله يرد على الباحثين عندنا إذ يريدون الإعجاز بها على المعنى الذي تقدم!

ولعل التحدي بأمثال هذه الموافقات يحتاج إلى نظرة أشمل من نظرة إخواننا الباحثين ..

فأقول إنه يمكن إعجاز الكفار بتلك الموافقات - على المعنى الصحيح للإعجاز - بأن يطالَبوا بالإتيان بآية واحدة خالف فيها المكتشف العلمي الحديث نصا واحدا من نصوص القرءان! يعني يتحدوا بإثبات وجود المخالفة، لا بمجرد وقوع آحاد الموافقات!!

فهذا يكون حينئذ تفريعا على تحدي الله تعالى لهم بأن يأتوا بمثله، إذ ليس في الأرض كتاب واحد فيما عدا القرءان كُتب قبل ألف وأربعمئة سنة، وورد فيه كل هذا الكلام عن خلق المساوات والأرض وعن غير ذلك من آيات الكون، وليس فيه خطأ واحد ولا مخالفة واحدة لما توصل العلم الحديث لإثباته من الحقائق،

أما سائر الكتب الأخرى المنسوبة إلى الرب الخالق جل وعلا عند أهل الملل القديمة فحدث بما فيها من المخالفة ولا حرج!

هذا وجه صحيح للتحدي والإعجاز أقول به وأدعو إخواننا الباحثين في الإعجاز العلمي لاعتباره ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير