[الفرق بين الرأي المذموم والاستنباط المحمود]
ـ[إبراهيم الحسني]ــــــــ[23 Feb 2010, 06:36 م]ـ
لا حظت جراءة كثير من الناس في هذا العصر على كتاب الله تعالى وقولهم فيه بالرأي المحض.
ولحسن الظن بهم فإني على يقين من أن بعضهم التبس عليه الرأي بالاستنباط.
فالقول في القرآن الكريم بالرأي مذموم معلوم ذمه لطلبة العلم، وأقوال الصحابة في ذمه أكثر من أن تحصى.
واستنباط المعاني من كتاب الله تعالى، والأمر بتدبره، ومحاولة فهم معانيه، أمر محمود ممدوح، درج السلف الصالح على دعوة الناس إليه.
فما هو الفرق بين الإثنين؟
وما هي الحدود الفاصلة بينهما؟
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[24 Feb 2010, 01:51 ص]ـ
الأخ الكريم إبراهيم الحسني وفقه الله ..
الاستنباط جزء من الرأي، وقد يكون كل واحد منهما محموداً أو مذموماً، والعبرة بتوفر شروط الصحة في الاثنين، فالرأي إن التزم بالشروط الصحيحة في كتاب الله تعالى فهو رأي محمود، وكذلك الاستنباط ..
وحتى يتضح المقصود أقول:
إن العلماء قد قسموا التفسير بالرأي إلى قسمين:
أ ـ تفسير بالرأي المذموم: وهو تفسير القرآن تفسيراً غير جارٍ على قوانين العربية ولا موافقاً للأدلة الشرعية (1)، وهو التفسير بمجرد الهوى وبلا استكمال لأدوات التفسير وشروطه. وجميع ما ورد من الأحاديث والآثار التي فيها النهي عن التفسير بالرأي إنما قصد بها هذا النوع من التفسير.
ومن تلك الأدلة الدالة على تحريم هذا النوع من الرأي:
1 - قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) [الأنعام: 68].
2 - نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التفسير بالرأي: كقوله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " (2)، وكالحديث الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخشى على أمته من ثلاث وذكر منهم: " رجال يتأولون القرآن على غير تأويله" (3).
3 - نهي الصحابة رضي الله عنهم وامتناعهم من تفسير القرآن بمجرد الرأي:
كما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه قوله: " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم " (4). وكوقوف عمر رضي الله عن تفسير الأب في قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً) حيث قال: " عرفنا الفاكهة فما الأب؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف " (5).
4 - تحذير السلف من التفسير بالرأي: كقول سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ (ت:95هـ) قال لرجل طلب إليه تفسير بعض آيات القرآن فقال: " لأن تقع جوانبي خير لك من ذلك".
وإنما قلنا بحملها على هذا النوع من الرأي لوجود أدلة أخرى تدل على جواز التفسير بالرأي المحمود وعلى وقوعه عند السلف رحمهم الله تعالى وعلى رأسهم الصحابة الكرام كما سيأتي.
ب ـ تفسير بالرأي المحمود: وهو تفسير القرآن بموافقة كلام العرب مع موافقة الكتاب والسنة ومراعاة شروط التفسير (6).
وهذا النوع من التفسير لا يمكن إنكاره عن السلف بل إن السلف رحمهم الله تعالى قد وضحوا معاني كلام الله تعالى بأقوال لم يسندوها إلى من سبقهم وإنما فهموها من كلام الله تعالى ومما يدل على ذلك اختلافهم رحمهم الله تعالى في تفسير كثير من الآيات.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الآثار الدالة على تحرج السلف عن التفسير بالرأي: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: (لتبيينه للناس ولا تكتمونه) [آل عمران: 187].ولما جاء في الحديث المروي من طرق: " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " (7)) (8) أ. هـ.
ومما يدل على جواز هذا النوع من التفسير:
¥