[الإعجاز التشريعي في تعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم]
ـ[علي شهوان]ــــــــ[28 Dec 2009, 01:25 ص]ـ
الإعجاز التشريعي في تعدُّد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
علي شهوان
عضو لجنة الإعجاز القرآني في جمعية المحافظة على القرآن الكريم
نَصَّ القرآن العظيم على جواز أن يجمع المسلم بين أربع زوجات في وقت واحد، وأقرَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُبقي على زوجاته -علماً أن عددهنَّ أكثر من أربع- دون جريان حُكْم الإبقاء على أربع زوجات عليه صلى الله عليه وسلم. فرأى المستشرقون -خصوصاً- وباقي أعداء الإسلام -عموماً- ما يظنونه مدخلاً لهم في الطَّعْن بالرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم من خلال نظام تعدد الزوجات في الإسلام -عموماً-، وجمعه صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات -خصوصاً-.
ويمكن إجمال الردِّ على هذه الشبهة من خلال النقاط التالية:
أولاً: لم يكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم بدعاً من أفعال الأنبياء، فقد بيَّن القرآن العظيم أن تَزَوُّج النبي صلى الله عليه وسلم النساء لا يتعارض مع نبوته. قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، فمن الأنبياء من جمع بين أكثر من زوجة (1).
ثانياً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم في بيئة تعرف التعدد؛ بل لم يكن لديهم حدٌّ مُعَيَّنٌ من العدد يقفون عنده، واستمر الأمر بهم على هذا الحال إلى أن نزل القرآن بتحديد الجمع بين أربع زوجات فقط، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة (2)، أي بعد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من جميع زوجاته، فكانت آخرهن ميمونة رضي الله عنها، التي تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في عُمْرَة القضاء سنة سبعٍ من الهجرة.
وقد أسلم غيلان بن سلمة الثقفي وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعاً" (3). وقال قيس بن الحارث الأسدي: أَسْلَمْتُ وعندي ثماني نسوة، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اختر منهن أربعاً" (4).
إذاً لم يكن جَمْع النبي صلى الله عليه وسلم بين أكثر من أربع زوجات خَدْشاً لنبوته ولا لمجتمعه.
"ومن هنا يظهر لنا أن الخصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم كانت بإبقائه على زوجاته؛ لا بإباحة التعدد له بأكثر من أربع زوجات" (5).
ثالثاً: جعل القرآن العظيم الإباحة عند أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إباحة عدد بينما النبي صلى الله عليه وسلم ليس له العدد، وإنما المعدود. والفرق بين العدد والمعدود: أن المعدود إنما أبيح للرسول صلى الله عليه وسلم بذاته، بحيث لو ماتت واحدة من زوجاته صلى الله عليه وسلم لا يأتي بواحدة مكانها، بينما تابِعُ الرسول صلى الله عليه وسلم إن ماتت واحدة من زوجاته أو طلَّقها يأتي بأخرى مكانها.
ما دام قد أبيح له المعدود صلى الله عليه وسلم، فإن تلك بخصوصيته كما قال تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب:52].
وهذا الحُكْم ليس لتابع من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يمكن أن يدور عند تابع النبي صلى الله عليه وسلم العدد أربعة، فقد يتزوج أربعة ثم يطلقهن، ثم يتزوج غيرهن، بينما النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يتزوج غير زوجاته الموجودات ولا بواحدة؛ حتى لو مُتْن جميعاً (6).
رابعاً: قد يكون في إبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته جميعاً خصوصية لهنَّ أيضاً؛ لأن القرآن العظيم حرَّم على المسلمين نكاح زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، وجعلهن أمهات المؤمنين، فإذا افترضنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبقى على أربع زوجات، وسرَّح الأخريات، فحينها لا يجوز لأي مسلم أن يتزوجهنَّ لأنهن أمهاتهم؛ فيحصل بذلك إضرار بهنَّ لمنعهن الزواج من غيره صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة أخرى: إذا أُمِر من كان عنده أكثر من أربع زوجات أن يمسك على أربعٍ منهن ويفارق الباقي، فإن من فارقها تجد في المسلمين من يساوي أو يفضل زوجها فتنكحه، لكن كيف يمكن أن تحظى امرأة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذه المنقبة عند غيره؟! أنها زوجة نبيٍّ!!
¥