تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[علاقة العلوم بالقرآن]

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:02 م]ـ

توطئة:

اهتم القرآن اهتماماً واضحاً بالواقع؛ إذ أن أحكامه وإرشادته لا تنزل إلا عليه، وقد ارتبطت العلوم من جهة أخرى بهذا الواقع أشد ما يكون الارتباط وتعلّقت به أقوى ما يكون التعلّق، ولهذا كانت بين القرآن والعلوم علاقة لا يمكن إغفالها وآصرة لا يمكن تجاوزها، ولما أكمل الله تعالى الدين وأتم النعمة فإنه لم يغادر في كتابه العزيز مصلحة دنيوية ولا أخروية إلا نبه عليها أو عبر عنها أو أشار إليها، ولا تخفى علاقة العلوم بمصالح الإنسان ومنافعه.

ورغم كل ذلك فإن ربط العلوم بالقرآن ليس أمراً تلقائياً يتأتى بالجهد اليسير أو النظر المتعجل أو البحث السطحي؛ إذ إن هذا الأمر في غاية التعقيد والصعوبة؛ فلا يمكن بحال – كما يحدث كثيراً – الإتيان بالقرآن من جهة وبالعلم - أياً كان نوعه ومعطياته - من جهة أخرى فيُربط بينهما وُتتلمس أوجه الاتفاق وتُتحسس مواضع التشابه وإلا كان ذلك تلفيقا غير متقبل ولا ممدوح، وهذا التعقيد الذي نشير إليه في الربط بين القرآن والعلم يرتبط بعنصرين في غاية الأهمية وهما:-

- طبيعة العلم المراد ربطه بالقرآن، ومفهوم هذا العلم وكيفية تصنيف أنواعه وفلسفته التي ينطلق منها ورؤيته العامة التي يندرج تحتها ثم أولوياته ومدى مطابقته للحقيقة والواقع.

- طبيعة تعبير القرآن عن أنواع هذا العلم سواء في التفصيل أو الإجمال أو المقاصد؛ إذ إن القرآن لم يعن بالعلوم بدرجة واحدة ولا بمستوى متقارب ولا بأسلوب متفق؛ ولهذا فإن جعل معطيات العلوم هي الأصل - بغض النظر عن طبيعتها - ثم محاولة حمل القرآن عليها منهج خاطئ منذ بدايته؛ فالقرآن متبوع وليس بتابع وإنما تؤخذ معطياته مأخذ الافتقار إليها والتعويل عليها.

ولا شك أنه كان لربط القرآن عند المسلمين – قديما وحديثا - اتجاهات تباينت مناهجها واختلفت رؤاها، وتعددت نظراتها لكل من العلم والقرآن، وهذا الأمر بجوانبه المختلفة يحتاج إلى توضيح وبيان، وتفصيل ذلك كالآتي:-

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:04 م]ـ

مفهوم العلم بين القرآن والفكر الغربي:-

العلم في القرآن من صفات الله تعالى وقد جاءت هذه الصفة منسوبة إليه تعالى بصيغ مختلفة نحو "أعلم"بصيغة التفضيل في قوله تعالى: (وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) و"عليم" و"علام" بصيغة المبالغة في قوله: (وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) وقوله: (إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ). ولا يمكن تعريف العلم في القرآن تعريفاً دقيقاً إلا من خلال تعريف المفاهيم المرادفة له؛ ومن ذلك مفهوم (المعرفة)؛ فالمعرفة في القرآن تطلق على الإدراك بالملامح والسمات العامة؛ قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ) وقال: (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) وقال: (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) وقال: (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ) وقال: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ) وقال: (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) وقال: (ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) وغير ذلك من الآيات. أما العلم فيطلق على العلم بدقائق الامور وهي صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً، وهو (الإدراك الجازم المطابق للواقع)، أما المعرفة فهي (الإدراك الجازم سواء طابق الواقع أم لم يطابقه)؛ فالعلم بذلك جزء من المعرفة؛ وهي ليست جزء منه؛ بل هو أعلى مستوياتها؛ إذ إن كل علم معرفة وليست كل معرفة علماً، ويمكن إطلاق المعرفة على العلم وليس العكس.

وقد أطلق العلم في القرآن على أمور متعددة منها:-

1 - القرآن كما في قوله تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير