تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[امتثالا لرجاء الدكتور فهد الرومي في كتابه (مسالة خلق القرآن وموقف علماء القيروان منه)]

ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[10 Feb 2010, 07:45 م]ـ

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله

أما بعد، فقد قال الدكتور فهد الرومي في ختمة بحثه "مسالة خلق القرآن وموقف علماء القيروان منها" الآتي: أما الرجاء، فأوجهه إلى كل من وجد في بحثي نقصا أن لا يكتمه، وأن يكتب لي ما يراه صوابا، فالمسلم مرآة أخيه المسلم." (ص55)

فمن باب الامتثال لهذا الرجاء، وقبل ذلك من باب أداء واجب النصيحة في الدين أقول:

أخي المسلم د. فهد الرومي:

البحث فيه نقص كبير من ناحية تحرير محل النزاع، أقصد النزاع بينكم وبين أتباع الأئمة الأربعة (وهم جمهور علماء المسلمين والسواد الأعظم منهم)، وأقصد تحديدا تحرير ما المقصود بخلق القرآن؟ هل المقصود حدوث الأصوات والحروف بذات الله تعالى، وهو ما ينفيه جمهور علماء الأمة: أقصد أتباع المذاهب الأربعة، أو المقصود حدوث وخلق الكلمات الدالة على كلام الله القديم (الذي هو صفة ذاته) وهذا ـ أقصد حدوث الحروف الدالة على الكلام الإلهي القديم ـ لا ينفيه من له مسكة عقل، بله جمهور علماء الأمة.

هكذا كان ينبغي تحرير محل النزاع، فالمسألة عظيمة كبيرة، لا ينبغي أن يتصدى فيها شخص بمفرده لدعوة جمهور علماء الأمة ـ وهم أتباع المذاهب الأربعة ـ إلى مراجعة عقائدهم بناء على أنهم أخطأوا فيها، وأنهم خالفوا أئمتهم ـ أبو حنيفة ومالك وأحمد والشافعي رضي الله عنهم ـ إذ مجرد تصور هذه الدعوة قد يحكم على بطلانها ممن صدرت منه، فكيف للسواد الأعظم من خيرة علماء المسلمين أن يتواطؤوا على مخالفة أئمتهم؟؟؟

وعلى كل حال، فقد وجدت للدكتور فهد الرومي غرضا واحدا في هذه الرسالة وهو تمرير فكرته واعتقاده، حتى وإن كلف ذلك تخطئة هذا الجم الغفير من العلماء، والبديهة قاضية بالعكس، والدليل أيضا.

ولعلي أعطي مفتاحا للدكتور الرومي من مفاتيح أبواب الحق، حتى إذا فتحه بصدق وإخلاص نية طلب الحق فتح الله عليه ونور عقله وفهمه وجعله يبصر بنور الإنصاف الحقَّ في هذه المسألة العظيمة وهي خلق القرآن.

وهذا المفتاح هو قول الإمام ابن ابي زيد القيرواني:

في الرسالة: القرآن ـ كلام الله ـ ليس بمخلوق فيبيد، ولا صفة لمخلوق فينفد.

لاحظ دقة الإمام القيرواني عندما قال: ـ كلام الله ـ فإنه يقصد بذلك الصفة القائمة بذات الله سبحانه وتعالى.

وإذا علمت هذا، فاقرأ عقيدة القيرواني في الصفات القائمة بذات الله تعالى ومنها القرآن كلامه تعالى القائم بذاته:

فقد قال في الرسالة: "وله الأسماء الحسنى والصفات العلى. لم يزل بجميع صفاته وأسمائه. تعالى أن تكون صفاته مخلوقة وأسماؤه محدثة."

فهذا تصريح بقدم الصفات، ومنها القرآن كلام الله القائم بذاته، والقدمُ نقيض الحدوث.

وقال في «الجامع»: لم يزل بجميع صفاته وأسمائه، له الأسماء الحسنى والصفات العلى. «كتاب الجامع» بتحقيق عبد المجيد التركي, نشر دار الغرب الإسلامي, ط2, 1990.

فهذه النصوص القواطع كفيلة ببيان عقيدة الإمام القيرواني وهي استحالة الحدوث والمخلوقية على صفة الكلام ـ القرآن ـ القائم بذات الله تعالى، وهذه هي عقيدة الأئمة الأربعة وجمهور أتباعهم واحدا واحدا، إلا من شذّ ـ

كما أن الدكتور الرومي أهمل نصا ثمينا يبين عقيدة الإمام ابن ابي زيد القيرواني وموقفه تحديدا من ابن كلاب ومن أبي الحسن الأشعري، فلم يكن القيرواني غافلا عن جميع ذلك، وقد وردت هذه النصوص بنقل الإمام الحافظ ابن عساكر في تبيينه، مبينا دفاع القيرواني عن العقيدة ابن كلاب والأشعري في كلام الله تعالى القديم القائم بذاته، قال:

ثم قال ابن أبي زيد في الرد على البغدادي: والقارىء إذا تلا كتاب الله لو جاز أن يقال أن كلام هذا القارىء كلام الله على الحقيقة لفسد هذا لأن كلام القارىء محدث ويفنى كلامه ويزول، وكلام الله ليس بمحدث ولا يفنى، وهو صفة من صفاته، وصفته لا تكون صفة لغيره. وهذا قول محمد بن اسمعيل البخاري وداود الأصبهاني وغيرهما ممن تكلم في هذا وكلام محمد بن سحنون إمام المغرب وكلام سعيد بن محمد بن الحداد وكان من المتكلمين من أهل السنة وممن يرد على الجهمية. اهـ

فهذه عقيدة الإمام القيرواني في صفة الكلام ـ القرآن ـ القائم بذات الله تعالى: ليس بمحدَث، ولا مخلوق. وهي عقيدة جمهور علماء الأمة أتباع المذاهب الأربعة إلا من شذّ.

وبهذا يتبين أن جمهور علماء الأمة وعلى رأسهم القيرواني هم على خطى أئمتهم، فأي دعوة توجَّه إليهم؟ هل يتركوا هذا المعتقد الراسخ ويقولوا بأن الله تعالى يحدث في ذاته أصواتا حادثة يتكلم بها، وأنها أفراد حادثة يحدثها ـ أي يخلقها فلا فرق ـ في ذاته متى أراد الكلام؟؟ أو يقولوا بأن الحبر الذي يكتب به ما بين دفتي المصحف قديم غير مخلوق؟؟

كلى الأخيرين باطل، وما صح إلا الأول وهو أن كلام الله الصفة القائمة بذاته قديمة لا محدثة ولا مخلوقة، وأنه يستحيل على الله السكوت كما نص الإمام ابن جرير الطبري، وعليه جمهور علماء الأمة.

هذا واجب النصيحة، فإن الدين النصيحة .. والله الهادي إلى الصراط المستقيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير