تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

البيان الحجاجي في إعجاز القرآن الكريم "سورة الأنبياء نموذجاً" لد. عبد الحليم بن عيسى

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Dec 2009, 04:09 م]ـ

1 ـ تقديم:

القرآن الكريم هو رسالة موّجهة للبشرية جمعاء، جاء ليُسطِّر للفرد علاقته مع خالقه ونفسه وغيره من بني البشر وما بُسط في الطبيعة ككلّ، وذلك بتشريع الأحكام، وتوضيح المقاصد، وتبيين طرق المعاملات، وغير ذلك. ولعلّ أهم سمة تطبعه هي "الإعجاز"، وقد انشغل العلماء بالكشف عن مظاهر هذا الإعجاز، فقدّموا الكثير من الآراء والطروحات التي تبيِّن وتكشف عن آلياته. فمنهم من ربطه بإحاطته الكليّة التي شملت مختلف الظواهر الكونيّة، ومنهم من جعله على صلة بقدرته الدقيقة والراشدة في بسط الأحكام الشرعيّة وتنظيم العلاقات البشرية، ومنهم من ردّه إلى سمة "البيان" بوجه عام. وقد تنوّعت البحوث التي تكشف عن تجلِّيات البيان في القرآن الكريم، ويرتدّ هذا التنوّع إلى آليات الطرح التي انتهجها كلّ باحث في الكشف عن ذلك.

وبحثنا يتناول آلية من آليات البيان في الإعجاز القرآني، تتعلّق بـ "الحجاج"؛ فالقرآن خطاب حِجاجي، موجّه في أساسه للتأثير على آراء المخاطب وسلوكاته، واستمالة العقول، وتوجيه النفوس. ولذلك وظَّف الكثير من الأساليب الحِجاجيّة التي تؤمِّن له هذه الغايات.

2 ـ مفهوم البيان وأنماطه:

جاء في اللسان "البيان ما بُيِّن به الشيء من الدلالة وغيرها. وبان الشيء بياناً؛ اتّضح فهو بيِّن .. وأبنته أنا؛ أي أوضحته .. وقالوا بان الشيء واستبان وتبيَّن، وأبان وبيّن بمعنى واحد. ومنه قوله تعالى: (آياتٍ مبيِّناتِ (بكسر الياء وتشديدها بمعنى "مبيِّنات"، ومن قرأ "مبيَّنات" بفتح الياء فالمعنى أنّ الله بيّنها ... والتبيين الإيضاح" (1). فالبيان هو الإيضاح عن المقصود، ولكنّه يتمّ ببلاغة ودقّة، وهذا ما نلاحظه في الحديث الشريف الذي رواه ابن عباس عن النبي ـ (ـ أنّه "قال: [إنّ من البيان لسحراً، وإنّ من الشعر لحكماً]؛ "فالبيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ، وهو من الفهم وذكاء القلب مع اللَّسن، وأصله الكشف والظهور" (2). فالبيان إظهار المعنى بدقّة وذكاء، حتّى يقع في العقول، وتميل له النفوس.

وقد وردت لفظة "بيان" في القرآن الكريم في آيات كثيرة؛ منها قوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ للنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ للمُتَّقِين ((3)؛ أي إيضاح وطريق هدى لكلِّ مُتَّق. وقول تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرآنَهُ. ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ((4)؛ أي إظهار أحكامه ومقاصده ككل.

فالقرآن الكريم كلّه "بيان" لما يجب أن يكون عليه الإنسان في علاقاته مع خالقه والمحيط الذي يعيش فيه. وكانت اللغة السبيل إلى هذا البيان لذلك قال تعالى: (بِلِسَانٍ عَرَبي مُبِين ((5)، فمن سمات لغة القرآن الكريم والعقيدة الإسلامي ككلّ "البيان والإيضاح ولذلك قال الرماني: "القرآنْ كلّه في نهاية حسن البيان" (6).

وقد اهتم الدارسون بتوضيح هذا "البيان" الذي طُبِعت به لغتنا العربية، فنثروا الكثير من الأفكار التي توضح مفاهيمه وأنماطه وطرقه وغير ذلك، وولّد هذا الاهتمام علماً مخصوصاً هو "علم البيان". وكان أوّل مصنَّف يبحث في قضاياه كتاب "البيان والتبيين"، للجاحظ (ت 255 هـ) الذي لم يعط ـ على ما يبدو ـ لمفهوم آخر من الأهمية في هذا المصنّف ما أعطاه لمفهوم البيان (7).

والبيان لدى الجاحظ "اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير حتى يفضي السامع إلى حقيقته ... لأنّ مدار الأمر والغاية التي يجري إليها القائل والسامع إنّما هو الفهم والإفهام، فبأي شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الوضع" (8). فالبيان مرتبط بالدلالة الظاهرة عن المعنى الخفي؛ فكل دلالة واضحة على المعنى المقصود عنده "بيان"؛ لأنّ الغاية هي الفهم والإفهام.

ويرى الجاحظ أنّ وجوه البيان ترتدّ إلى خمسة أمور هي "اللفظ والإشارة والعقد والخط والنصبة" (9)، وهي مقولات توضِّح أشكال البيان لدى الإنسان في هذا الكون.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير