روعة التشبيه القرآني في قوله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ)
ـ[علي شهوان]ــــــــ[09 Feb 2010, 11:34 م]ـ
قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) [البقرة: 187].
في هذه الآية شبه القرآن العظيم كلاًّ من الزوجين باللباس للآخر، وإذا تأملنا كلمة (لباس) وجدناها تحمل معاني عظيمة الدلالة على مدى الألفة التي أرادها الله للزوجين من خلال هذا التشبيه.
فمن أوجه تشبيه الزوجين باللباس:
1 - السَّتْرُ: فاللباس يستر السوأة ويغطيها، وسميت العورة سوأة؛ لأن الإنسان يستاء من ظهورها، فامتن الله على عباده بأن أنزل عليهم لباساً يغطي سَوْآتهم: (يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف: 26]، والزوجان لباس لبعضهما، يغطي كل واحد منهما الآخر، ويستر عيوبه وسوآته، مما يزيد الألفة بينهما، فالحياة الزوجية مبنية على الستر، لا على الكشف والفضيحة، وفي الحديث: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» (1).
فما أجمل أن يتعامل الزوجان فيما بينهما بالستر، ليس في الفراش فقط، ولكن في كل شؤون حياتهما كلها، من مَطْعَم ومَلْبَس ومعيشة، حتى الخلافات الزوجية الأصل فيها الستر، وعدم النشر، وإلا صار حلها معقداً في الغالب.
والزوجان هما أعرف الناس ببعضهما البعض؛ فقد تنكشف لكل منهما أمور عن الآخر لا يَطَّلِعُ عليها سواهما، فمن الألفة بينهما أن تبقى مستورة (2).
2 - الوقاية والحماية: فإن الإنسان يتقي بلباسه الحرَّ والبَرْد؛ (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل: 81].
إن الحماية التي يقوم بها كلا الزوجين للآخر كلباس له أعظم من اللباس الذي يحمي من الحر والبرد، فهما يشكلان لبعضهما حصناً يحميهما من الفاحشة، فالزوجة لباس لزوجها تمعنه بإعفافها له أن ينكشف على غيرها بطريق الحرام، فتكون لباساً له، والزوج لباس لزوجته، يمنعها بإعفافه لها أن تنكشف على غيره بطريق الحرام؛ فيكون لباساً لها، وفي الحديث: «إذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه، فليأت أهله، فإن ذلك رَدُّ ما في نفسه» (3).
ولا تقف الحماية عند منع الوقوع في الفاحشة، فهي تشمل -أيضاً- الحماية النفسية والصحية والخُلقيَّة و .. المترتبة على الوقوع في الفاحشة.
3 - الدفء: حيث يقوم اللباس بعملية التوازن والملاءمة للجو المحيط بالإنسان، ونعني به الجانب العاطفي عند الزوجين، فقد يَلْحَق بأحد الزوجين ما يُعَكِّرُ صَفْوَه، ويؤثِّر في نفسيته، فيجد عند الآخر من العاطفة والاحتضان لهَمِّه ما يُصَفِّي كدره ويؤْنِسُه، ولا أظن أحداً يَسُدُّ مَسَدَّ هذا الجانب العاطفي عند الزوجين غيرهما، لا الأبوين ولا الإخوة، ولا الأبناء: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم: 30].
4 - التكميل: حينما يكون الإنسان دون لباس يشعر أنَّ فيه نقصاً، فإذا لبس ما يستره سَدَّ ذلك النقص، والحال نفسه بالنسبة للزوجين، كل واحد منهما يُكَمِّل الآخر، وَيَسُدُّ نقصه، والرجل دون زوجةٍ فيه نقص، والمرأة دون زوج فيها نقص، فإذا تزوجا سُدَّ النقص الذي كان فيهما، فللرجال خُلِقَت النساء، ولهن خُلِقَ الرجال: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف: 189].
5 - الجمال: ذكرت أن العورة سميت بالسوأة لأن الإنسان يستاء من ظهورها، فيغطيها باللباس، واللباس لا يستر العورة فحسب؛ بل يُجَمِّلُ الإنسان أيضاً، ولا يكون الإنسان جميلاً دون لباس عند العقلاء.
وبالنسبة للزوجين، فإن كل واحد منهما جمال للآخر، جمال لمظهره، وجمال لصفاته وتدينه، يرى نقصه من خلاله، فيسد نقصه ليزداد جمالاً.
¥