تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من قواعد البحث في الإعجاز العلمي: حسن التعامل مع نصوص المفسرين والأدب معهم.]

ـ[مرهف]ــــــــ[06 Feb 2010, 09:15 م]ـ

[من قواعد البحث في الإعجاز العلمي: حسن التعامل مع نصوص المفسرين والأدب معهم.]

د. مرهف عبد الجبار سقا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

يأخذ الحماس بعض الكاتبين في الإعجاز العلمي نحو التسرع في الحكم على كلام المفسرين واللغويين، فيقوم بتقييم كلامهم وقياس معانيهم، مع أن الكاتب قد لا يكون من أهل التخصص الشرعي أو على الأقل ليس له دراية في علم اللغة ولم يعانيها كما عاناها المتقدمون من أهل العلم، ثم يصدر حكمه عليهم بالخطأ والتضعيف والرد، فكثيراً ما نجد هذا التعبير في أبحاث الإعجاز العلمي (وقد أخطأ المفسرون القدامى في كلامهم، أو: وكلامهم هذا بعيد)، أو ما يشبهه من التعبير كتجهيلهم من غير مبرر سوى أن الكاتب وجد معلومة لم توافقها آراء المفسرين واللغويين ويعتبرها هو مسلمة ثم يرمى بالقاضية على السابقين.

وأني هنا لا أدعي العصمة لغير الرسول صلى الله عليه وسلم، كما لا أدعو إلى التسليم لآراء المفسرين دون دراسة وتمحيص، ولكني أدعو إلى احترام التخصص العلمي، وأن يدخل الميدان أهله، وأدعو الباحثين إلى عدم المجازفة العلمية وخاصة عند التعامل مع آراء السلف الصالح رضي الله عنهم، مع أننا لو أنصفنا في التعامل مع نصوص المفسرين وآرائهم لوجدنا لكلامهم اعتبار بل ربما يكون الصواب ما يقولونه، ونجد رأي من عاب عليهم رأياً فاسدا علته من الفهم السقيم.

وكم يعجبني قول الدكتور عبد الحفيظ حداد في قواعد كتابة أبحاث الإعجاز العلمي إذ جعل من هذه القواعد: (تحاشي العبارات التي تحمل طابع التسفيه لأقوال العلماء السابقين من سلف هذه الأمة حتى ولو ظهرت لهم أخطاء، بل يتأدب في رد الخطأ مع الأخذ بعين الاعتبار أنه ربما ظهر وجه يجعل كلامهم الذي قالوه معتبراً، وكم عاب إنسان غيره وكان العيب عنده لقصور فهمه).

ولذلك يجب على المشتغل في أبحاث الإعجاز والتفسير العلمي أن يحسن التعامل مع نصوص التفسير وآراء العلماء من حيث الفهم والسبك، وأن ينزلها منزلتها في الاعتبار، وأن لا يحملها ما لا تحتمل، أو يجعلها في موضع لا تدل عليه، وأضرب مثلاً على ذلك بما فعله بعضهم عندما تناول قوله تعالى ((خلق من ماء دافق)) [الطارق:6]، تحت عنوان "لماذا خرج القرآن عن المعهود ووصف المني بالماء الدافق بدلاً من المدفوق"، ثم يجيب عن ذلك بأن هذا التعبير (يعني أنه حي التكوين فاعل، تتسابق مكوناته في نشاط، وجرده من صفة البشرية بجعله مادة أولية يتخلق منها الإنسان، وهذا ما يطابق الحقيقة العلمية، لأن الخلية البشرية الأولى التي تحتوي على العدد الكامل من الفتائل الوراثية المستمدة من الأبوين هي البويضة الملقحة في المصطلح الطبي أو النظفة الأمشاج في مصطلح القرآن، ولكن تلك الحقيقة العلمية كانت خفية طيلة قرون عديدة بعد نزول القرآن مما جعل المفسرين في حيرة أمام وصف المني ذاته بالفاعل)،ثم نقل كلام المفسرين واللغويين في معنى "دافق"، وكلامهم كله يصب في أن دافق تأتي لغة بمعنى مدفوق، أي اسم مفعول، ورجح بعضهم أنها اسم فاعل، ثم يقول: (ها أنت ترى كم كانت حيرة المفسرين أمام هذا السر الدفين وهو الحركة الذاتية لعناصر حية في المني ومع ذلك بلغوه بترك تعبير اقرآن "ماء دافق" على ظاهره حتى كشفت الأيام تأويله).

فانظر كيف جعل الاختلاف اللغوي الصرفي الدلالي للعلماء حيرة، أي: شكاً في دلالة الآية، واعتبر حيرتهم هذه بسبب جهلهم بالسر الذي اكتشفته العلوم الحديثة وبينه هو في بحثه، ونسي أن هؤلاء الأئمة لم يكونوا يجهلون أن خلق الإنسان كان من نطفة أمشاج قال ابن كثير: (قال ابن عباس في قوله: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} يعني: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا، ثم ينتقل بعد من طور إلى طور، وحال إلى حال، ولون إلى لون. وهكذا قال عكرمة، ومجاهد، والحسن، والربيع بن أنس: الأمشاج: هو اختلاط ماء الرجل بماء المرأة.) وهو المصطلح عليه طبياً بالبيضة الملقحة، وماأظهره الكاتب من سر عظيم – كما يقول- نعم: كان سراً على الغربيين في أزمنة مديدة لكنه كان بداهة عند من وصفهم بالحيرة، وكان الأولى به أن يستثمر هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير