تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[قراءة نقدية في كتاب (الإجماع في التفسير) للخضيري]

ـ[أبو حسان]ــــــــ[24 Feb 2010, 03:43 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لما رأيت كتاب الإجماع في التفسير للأخ محمد الخضيري تعجبت من عنوانه ومن حجمه، حيث إن التفسير من أشهر المواطن التي يقع فيها الخلاف، فكيف يكون فيه إجماعات بهذا الحجم، فانقدح في ذهني أن الكتاب جمُع بطريقة غير علمية، فعزمت على قراءته، وبالفعل وقع ما حدسته، حيث إن الكتاب جُمع فيه مسائل كثيرة حُكي فيها الإجماع وليس ثمة إجماع، والآفة في المنهجية التي جُمع عليها، حيث وقع المؤلف في خلط عجيب وتأصيل مغلوط، مما جعل الكتاب يخرج بصورة غير علمية، ومن أعظم نتائجه السلبية أن القارئ قد يتوهم أن كل مسألة أدرجت فيه فهي مسلمة وحجة ويحرم مخالفة ما حُكي فيها من إجماع.

ومن هذا المنطلق رأيت أن أكتب بعض الملاحظات على الكتاب لعل المؤلف يعيد النظر فيما كتبه، خاصة في المنهجية التي سار عليها، ومن هذه الملاحظات:

الملاحظة الأولى:

أن أغلب الإجماعات التي يحكيها المؤلف هي ظنية وليست قطعية، والفرق بينهما: أن القطعي هو ما عُلِم من الدين بالضرورة، وهذا النوع يستحيل أن يكون بلا مستند من نصٍ قطعي الدلالة والثبوت، ومشتهر بين الأمة، وأما الظني فهو ما أُخذ بالاستقراء، والاستقراء لا يمكن أن يكون وحده كافياً لحكاية الإجماع، والمؤلف عند نقله لأي إجماع لا يفرق بين هذين النوعين من الإجماع، مما يوهم القارئ بأن كل ما ينقله فهو قطعي وأنه يحرم مخالفته، وهذا ولاشك مزلق خطير، ومأخذ كبير على المؤلف، وقد قرأت لأخي الدكتور عبد الرحمن الشهري أن المؤلف ما زال في جعبته الكثير من الإجماعات التي وقف عليها بعد طباعته لهذا الكتاب وأنه ينوي إضافتها في طبعاته القادمة، وليته لا يفعل، فإن هذا الكتاب أرى أنه بحاجة إلى ضوابط لم يهتدِ ولم يفهم المؤلف كثيرا منها، إذ ليس كل إجماع يُحكى يؤخذ على عواهله.

الملاحظة الثانية:

أنه سلم بالقبول لكل إجماع يُحكى ولم يعرضه على شروط الإجماع الأخرى، بل الضابط عنده في قبول أي إجماع هو عدم وجود المخالف فقط، ولم يتعرض للضوابط الأخرى، وهذه هفوة كبيرة من المؤلف، إذ لو مرر كل إجماع يحكيه على ضوابط الإجماع المعتبرة فإنه لن يصفِ له إلا القليل من كتابه، ولن يكون بهذا الكم الهائل من الإجماعات.

الملاحظة الثالثة:

أن كثيرا من الإجماعات التي نقلها حُكيت على أساس أنه لم يُنقل الخلاف فيها عن الصحابة، وعدم النقل لا يدل على انتفاء الخلاف.

الملاحظة الرابعة:

أن المفسرين الذين نقل عنهم حكايات الإجماع هم أناس بعيدون كل البعد عن زمن الجيل الذي يفترض أنه وقع فيه الإجماع، فكيف يحكي الإجماع شخص عاش في قرون متأخرة، ومن سبقه بهذه الدعوى؟ وكيف علم به؟ وما أدراه أن الصحابة أجمعوا؟ وهل قراءته للتفاسير التي أُلّفت في جمع أقوال الصحابة تخوله أن يحكي الإجماع على غرارها؟ وما سنده ومستنده فيما يحكيه من إجماع؟ وكيف سَلّم بهذه الدعوى المجردة؟ وهل كل شخص يحكي الإجماع وإن كان إماماً يُسلم له؟

الملاحظة الخامسة:

أن المؤلف لم يحقق الأسانيد في صحة القول المجمع عليه إلى الصحابة، بمعنى أنه لا يذكر أقوال الصحابة مسندة ويتحقق من صحتها من أجل أن يكون الإجماع مبني على أقوال صحيحة السند.

الملاحظة السادسة:

أنه لم يذكر إجماعات الفرق الإسلامية الأخرى، ولم يُبين لنا الفرق بين ما يحكيه أهل السنة من أجماع وما يحكيه غيرهم، خصوصا أن الجميع يحكي الإجماع مجردا في الغالب، فما الذي يجعلنا نقبل إجماعات أهل السنة ونرفض إجماعات غيرهم.

الملاحظة السابعة:

كأن المؤلف يميل إلى تكفير منكر حجية الإجماع على الإطلاق، حيث حكاه عن ابن حزم وسكت عنه، وهذا خطأ فادح منه، لأنه لم يفرق بين من أنكر الإجماع القطعي والإجماع الظني، إذ الثاني لا يجوز أبدا الحكم بكفر منكره، لأن دلالته ظنية كما قرر ذلك غير واحد من العلماء، بل رد مثل هذا الإجماع سائغ ولا محذور فيه خاصة إذا بين منكره مسوغات رده.

الملاحظة الثامنة:

أنه عرّف الإجماع بأنه اتفاق مجتهدي الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في أي عصر، وهذا لا يُسلم له إذ لا إجماع بعد جيل الصحابة، إذ إجماع مجتهدي الأمة بعد جيل الصحابة متعذر جدا، بل هو من المستحيل، ودلالة الحس والعقل قاطعة بذلك، إذ كيف يمكن الإحاطة بأقوال مجتهدي الأمة بعد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الملاحظة التاسعة:

أنه أدرج في كتابه جملة من المسائل التي حُكي فيها انتفاء الخلاف، وهو في فعله هذا يوهم القارئ بأن هذه الصيغة في حكم حكاية الإجماع، وهذا خطأ كبير من المؤلف، فإن المفسر حينما ينفي الخلاف فإنه لا يعني بالضرورة أنه يقصد حكاية الإجماع.

تنبيه: آمل من المشرف العزيز حذف أي مشاركة لا تلتزم بالمنهجية العلمية في الحوار حتى لا يفسدوا علينا موضوعنا، وحتى لا يشوشوا على الآخرين من المتخصصين الذين يرغبون بنقاش علمي جاد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير