"كلاَّ " من "1" إلى "33"
ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[17 Jan 2010, 04:04 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين
"كَلَّا"
وردت في كتاب الله في ثلاثة وثلاثين موضعاً:
"كَلَّا" (1)
الموضع الأول: في الآية 79 من سورة مريم
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80)) سورة مريم
مناسبة نزول الآية:
روى البخاري رحمه الله تعالى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَمِعْتُ خَبَّابًا قَالَ: جِئْتُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فَقُلْتُ: لَا حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ:وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى:
وقال بعض أهل العلم: إن مراده بقوله: لأوتين مالا وولدا الاستهزاء بالدين وبخباب بن الأرت رضي الله عنه، والظاهر أنه زعم أنه يؤتى مالا وولدا قياسا منه للآخرة على الدنيا، كما بينا الآيات الدالة على ذلك، كقوله:
"وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى" سورة فصلت من الآية (50)
وقوله: "أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56) " سورة المؤمنون
وقوله: " وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ " سورة سبأ (35)، إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى:
(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا) سورة مريم (78)
اعلم أن الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة رد على العاص بن وائل السهمي قوله: إنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا، بالدليل المعروف عند الجدليين بالتقسيم والترديد، وعند الأصوليين بالسبر والتقسيم، وعند المنطقيين بالشرطي المنفصل.
وضابط هذا الدليل العظيم أنه متركب من أصلين:
أحدهما: حصر أوصاف المحل بطريق من طرق الحصر، وهو المعبر عنه بالتقسيم عند الأصوليين والجدليين، وبالشرطي المنفصل عند المنطقيين.
والثاني: هو اختيار تلك الأوصاف المحصورة، وإبطال ما هو باطل منها وإبقاء ما هو صحيح منها كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى، وهذا الأخير هو المعبر عنه عند الأصوليين " بالسبر "، وعند الجدليين " بالترديد "، وعند المنطقيين، بالاستثناء في الشرطي المنفصل، والتقسيم الصحيح في هذه الآية الكريمة يحصر أوصاف المحل في ثلاثة، والسبر الصحيح يبطل اثنين منها ويصحح الثالث، وبذلك يتم إلقام العاص بن وائل الحجر في دعواه أنه يؤتى يوم القيامة مالا وولدا.
أما وجه حصر أوصاف المحل في ثلاثة فهو أنا نقول: قولك أنك تؤتى مالا وولدا يوم القيامة لا يخلو مستندك فيه من واحد من ثلاثة أشياء:
الأول: أن تكون اطلعت على الغيب، وعلمت أن إيتاءك المال والولد يوم القيامة مما كتبه الله في اللوح المحفوظ.
والثاني: أن يكون الله أعطاك عهدا بذلك، فإنه إن أعطاك عهدا لن يخلفه.
الثالث: أن تكون قلت ذلك افتراء على الله من غير عهد ولا اطلاع غيب.
وقد ذكر تعالى القسمين الأولين في قوله: " أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا"، مبطلا لهما بأداة الإنكار، ولا شك أن كلا هذين القسمين باطل ; لأن العاص المذكور لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا، فتعين القسم الثالث وهو أنه قال ذلك افتراء على الله، وقد أشار تعالى إلى هذا القسم الذي هو الواقع بحرف الزجر والردع وهو قوله: كلا، أي: لأنه يلزمه ليس الأمر كذلك، لم يطلع الغيب، ولم يتخذ عند الرحمن عهدا، بل قال ذلك افتراء على الله ; لأنه لو كان أحدهما حاصلا لم يستوجب الردع
¥