تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مسألة: هل الحروف المقطعة من المحكم أو من المتشابه؟.]

ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[25 Feb 2010, 08:05 م]ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد ..

فإن من المسائل التي يبحثها العلماء داخل علم المحكم والمتشابه مسألة (الحروف المقطعة)، تحت أي النوعين تُدرج؟، هل هي من المحكم، أو من المتشابه؟، وإن كانت من المتشابه، فأي نوعي المتشابه هو المقصود: المتشابه الكلي الذي استأثر الله ـ تعالى ـ بعلمه، أو المتشابه النسبي الذي يعلمه العلماء دون غيرهم.

وقد أحببت المشاركة في هذا الموضوع بهذا البحث المختصر، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد ..

مسألة: هل الحروف المقطعة من المتشابه:

مقدمة:

الحروف المقطعة: هي التي يجب أن يُقْطَعَ كلُّ حرفٍ منها عن الباقي في التكلم، بأن يؤتى باسمِ كُلٍّ منها على هيئته، فتقول: ألف لام ميم، بخلاف قولك: أَلَمْ، فإنه يجب أن يوصل بعضها ببعض ليفيد المعنى (1).

وهذه الألفاظ وإن كانت أسماءً حقيقة (2) لكنها تسمى حروفاً باعتبار مدلولاتها تجوزاً (3).

وقد ورد في القرآن أربعة عشر حرفاً مقطعاً ـ مع حذف المكرر ـ يجمعها قولك: (نص حكيم قاطع له سر) (4). ووقع الافتتاح بالأحرف المقطعة في تسعٍ وعشرين سورة (5).

ولم تكن العرب تفتتح كلامها بمثل هذه الحروف المقطعة، قال ابن جرير الطبري (ت: 310 هـ): "فإنه معلومٌ منها أنها لم تكن تبتدئُ شيئاً من كلامها بـ (ألم) و (ألمر) و (ألمص) " (6).

وقد وقع الخلاف بين العلماء في هذه الأحرف المقطعة هل هي من المتشابه أو لا، ويعبر بعضهم بهل لها معنىً أو لا؟.

وقبل الحديث عن هذه المسألة ينبغي التنبيه إلى أربع قضايا مهمة وهي:

أولاً: وقوع الاشتراك في لفظ (المعنى) عند العلماء:

فإنه قد وقع اشتراكٌ في مصطلح (المعنى) بين أهل اللغة، وبين كثيرٍ من العلماء حين يقولون: (حكم معقول المعنى) أو (غير معقول المعنى).

فأما أهل اللغة فإنهم يريدون بـ (المعنى) الصورة الذهنية لِلَّفْظِ:

قال الجرجاني (ت:816هـ) في تعريف المعاني: "هي الصورة الذهنية من حيث إنه وضع بإزائها الألفاظ والصور الحاصلة في العقل" (7). وقال: " المعنى: ما يقصد بشيء" (8).

وهنا يُعبِّر أهل اللغة بقولهم (معنى هذه الكلمة هو كذا) كما يقولون مثلاً: (معنى الصلاة هو الدعاء).

وأما عند من يُعبِّر بقوله (حكم معقول المعنى) فإنه يريد بـ (المعنى): العلةَ أو الحكمةَ، وهذا الاستعمال شائعٌ في كلام العلماء رحمهم الله تعالى، ومن أمثلة ذلك الاستعمال:

- ما قاله ابن القيم (ت: 751 هـ): " أنه سبحانه حكيم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا لغير معنىً ومصلحةٍ وحكمةٍ هي الغايةُ المقصودةُ بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرةً عن حكمةٍ بالغة لأجْلها فَعَل، كما هي ناشئة عن أسباب بها فعل. وقد دلَّ كلامه وكلامُ رسوله على هذا وهذا في مواضعَ لا تكادُ تُحصى، ولا سبيلَ إلى استيعابِ أفرادها فنذكر بعض أنواعها" (9).

فهو لا يريد بالمعنى: ما تعارف عليه أهل اللغة، بل مراده ما يقصده بعض الأصوليين من هذه الكلمة، وهو العلة أو الحكمة التي شُرع لأجلها الحكم أو أنزلت لأجلها الآية.

- وقد أوضح العزُّ بنُ عبد السلام (ت: 660 هـ) مرادَ العلماءِ بقولهم (معقول المعنى) بقوله:

"فصلٌ: فيما عُرفت حكمته من المشروعات، وما لم تُعرف حكمته:

المشروعات ضربان:

أحدهما: ما ظهر لنا أنه جالبٌ لمصلحةٌ أو دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمفسدة، أو جالبٌ دارئٌ لمصلحة، ويعبر عنه بأنه معقولُ المعنى.

الضرب الثاني: ما لم يظهر لنا جلبُه لمصلحةٍ أو درؤُه لمفسدةٍ، ويعبر عنه بالتعبد" (10).

- ومن ذلك الاستعمال أيضاً قولُ السرخسي (ت: 490 هـ): "واستنباط المعنى من النصوص بالرأي: إما أن يكون مطلوباً لتعديةِ حكمِه إلى نظائرِه وهو عينُ القياس، أو ليحصل به طمأنينةُ القلب. وطمأنينةُ القلب إنما تحصل بالوقوف على المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في المنصوص" (11).

ومن المعلوم أن المعنى الذي ثبت الحكمُ لأجله في المنصوص هو: العلة. ويدل على ذلك أيضاً أن حديثه هذا عن القياس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير