[فن الاستشهاد بالقرآن الكريم عند ابن هشام (761هـ)]
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[19 Dec 2009, 06:46 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه والمتبعين لهم بإحسان.
ما زالت مذ عرفت النحو معنيًّا بكتب ابن هشام، حريصاً عليها، كَلِفاً بها، ترغّبني فيها أشياء لم أكن أتبيّنها على التفصيل أول الأمر، ثم عرفتها، وتبيّنت أن أظهرها شيئان: التفنّن في النظام، والعناية بالاستشهاد بالقرآن الكريم.
أما الأول فحقه أن تُفرد له كلمة تشرح معالمه وطرائقه، وأما الآخِر فأنواع، أشرح منها في هذه الكلمة نوعاً واحداً، هو التفنّن في إيراد الشواهد القرآنية.
فقد كان ابن هشام - رحمه الله - كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم إكثاراً مُعْجِباً، لا يكاد يترك الشاهد القرآني إلى غيره من الأمثلة الموضوعة من زيد وعمرو والضرب والإكرام ونحوها. ولا شك أن هذا يثبّت المسألة بشاهدها في الذهن، ويصدّق القاعدة ويؤكدها، ويرغّب في دراسة النحو وتذوقه، خاصة عند المشتغلين بعلوم القرآن، ويزيد المعرفة بمعاني القرآن وإعرابه.
(1) تفريع
وهذه الكلمة لشرح افتنانه في سَوْق الشواهد القرآنية، بإيرادها على وجوه من الخصوصية والتناسق الفني يتجاوز الاستشهاد المألوف إلى شيء آخر، هو ما سميته: فن الاستشهاد.
ومن هذا الفن أن يستشهد لأكثر من فرع من المسألة بموضع واحد من القرآن، أو بأكثر من موضع بينها اتصال.
• فرعان في موضع:
فالنوع الأول - وهو أن يأتي بالشاهد فيه أكثر من فرع من المسألة التي يتكلم عليها - قسمان: ما فيه فرعان، وما فيه فروع.
وما فيه فرعان قسمان: قسم يكون في أكثر من كلمة في الموضع، وقسم يكون في كلمة واحدة.
- فما فيه فرعان في أكثر من كلمة من الموضع له أمثلة كثيرة، منها:
1 - اجتماع (إن) الشرطية و (إن) النافية في قوله - تعالى -: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده).
2 - واجتماع لحاق (ما) الكافة بـ (إنّ) المكسورة ولحاقها بـ (أنّ) المفتوحة في قوله - تعالى -: (قل: إنما يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد)، وفيه أيضاً أن الأولى لقصر الصفة على الموصوف، والآخرة لقصر الموصوف على الصفة.
3 - واجتماع (إذا) الفجائية و (إذا) الظرفية في قوله - تعالى -: (ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون)، وقوله: (فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون).
4 - واجتماع مجيء (في) للظرفية المكانية ومجيئها للظرفية الزمانية في قوله - تعالى -: (غُلبت الروم في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين).
5 - واجتماع مجيء كاف الخطاب في محل نصب ومجيئها في محل جر في قوله - تعالى -: (ما ودَّعك ربك)، وكذا ياء المتكلم في قوله تعالى: (ربي أكرمني).
6 - واجتماع إسكان لام الأمر بعد الفاء وإسكانها بعد الواو في قوله - تعالى -: (فلْيستجيبوا لي ولْيؤمنوا بي).
7 - واجتماع زيادة (مِنْ) في المنصوب وزيادتها في المرفوع في قوله - تعالى -: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله).
8 - واجتماع العطف على السابق والعطف على اللاحق في قوله - تعالى -: (ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم)، ومثله: (وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط)، فهذا على الترتيب، ثم عطف بعكس الترتيب فقال: (وعيسى وأيوب).
9 - واجتماع حذف المبتدأ وحذف الخبر في قوله - تعالى -: (سلام، قوم منكرون)؛ أي: سلام عليكم، أنتم قوم منكرون.
10 - واجتماع الاعتراض بين القسم وجوابه، والاعتراض بين الموصوف وصفته في قوله - تعالى -: (فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم - لو تعلمون - عظيم، إنه لقرآن كريم).
11 - واجتماع تعلق الظرف بالفعل وتعلقه بما فيه معنى الفعل في قوله - تعالى -: (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم).
12 - واجتماع مجيء الجار والمجرور صلة ومجيء الظرف كذلك في قوله - تعالى -: (وله مَنْ في السموات والأرض ومَنْ عنده لا يستكبرون).
13 - واجتماع حذف عامل الفاعل وحذف عامل نائب الفاعل وجوباً في قوله - تعالى -: (إذا السماء انشقت، وأذنت لربها وحُقّت، وإذا الأرض مُدَّت).
¥