تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأنا إلى هذه الساعة على كثرة ما تعاملت مع هذه الحالات لا أعرف علاجاً أنفع من (تدبر القرآن) فإن القرآن يجمع نوعي العلاج (الإيماني والعلمي) وهذا لايكاد يوجد في غير القرآن، فالقرآن له سر عجيب في صناعة الإخبات في النفس البشرية (وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم) وإذا تهيأ المحل بالإيمان لان لقبول الحق والإذعان له كما قال تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله).

وفي القرآن من بيان العلم والحق في مثل هذه القضايا المنهجية ما لايوجد في غيره، ومفتاح الهداية مقارنة هدي القرآن بسلوكيات التيارات الفكرية.

أعني أنه إذا رأى متدبر القرآن تفريق القرآن بين المعترف بتقصيره حيث جعله قريباً من العفو (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم) وبين تغطية وتبرير التقصير بحيل التأويل الذي جعله الله سببا للمسخ (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين) ومجرد المعصية بالصيد في اليوم المحرم لاتستحق المسخ فقد جرى من بني اسرائيل ما هو أكثر من ذلك ولم يمسخهم الله، ولكن الاحتيال على النص بالتأويل ضاعف شناعتها عند الله جل وعلا.

وإذا رأى متدبر القرآن –أيضاً- تعظيم القرآن لمرجعية الصحابة في فهم الاسلام، وربطه فهم الإسلام بتجربة بشرية، كقوله تعالى (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به)، وقوله تعالى (والذين اتبعوهم باحسان)، وقوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) وقوله تعالى (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)، وقوله تعالى (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم)، وقوله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) ففي مثل هذه الآيات البينات يكشف تعالى أن الوحي ليس نصاً مفتوحاً، بل هو مرتبط بالاهتداء بتجربة بشرية سابقة، فيأمرنا صريحا أن نؤمن كما آمن الصحابة، وأن نتبع الصحابة بإحسان، ويأمرنا بكل وضوح أن نرد الأمر إلى أولي العلم الذين يستنبطونه، وهذا كله يبين أن الإسلام ليس فكرة مجردة يذهب الناس في تفسيرها كل مذهب .. ويتاح الفهم لكل شخص كما يميل .. بل هناك تجربة بشرية حاكمة للتفسيرات.

وإذا رأى متدبر القرآن –أيضاً- بيان القرآن لتفاهة الدنيا، وكثرة ماضرب الله لذلك من الأمثال كنهيه نبيه عن الالتفات إلى الدنيا (لاتمدن عينيك إلى مامتعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه). (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها .. ).

وإذا رأى متدبر القرآن –أيضاً- مافي القرآن من بيان الله لحقارة الكافر وانحطاطه حيث جعله القرآن في مرتبة الأنعام والدواب والحمير والكلاب والنجاسة والرجس والجهل واللاعقل والعمى والصمم والبَكم والضلال والحيرة الخ الخ من الأوصاف القرآنية المذهلة التي تملأ قلب قارئ القرآن بأقصى مايمكن من معاني ومردافات المهانة والحقارة، كقوله تعالى (والذين كفروا يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام) وقوله (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا) وقوله (كذلك يجعل الرجس على الذين لايؤمنون) وأمثالها كثير.

وإذا رأى متدبر القرآن –أيضاً- ما في القرآن من عناية شديدة بالتحفظ في العلاقة بين الجنسين، كوضع السواتر بين الجنسين كما في قوله (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) وحثه المؤمنات على الجلوس في البيت (وقرن في بيوتكن) ونهيه عن تلطف المرأة في العبارة (فلا تخضعن بالقول) ونهيه عن أي حركة ينبني عليها إحساس الرجل بشئ من زينة المرأة (ولايضربن بأرجلهن ليعلم مايخفين من زينتهن) ونحو ذلك.

وإذا رأى متدبر القرآن –أيضاً- عظمة تصوير القرآن للعبودية كتصويره المؤمنين في ذكرهم لله على كل الأحوال (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) وحينما أراد أن يصف الصحابة بأخص صفاتهم قال (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً .. ) وكيف وصف الله ليلهم الذي يذهب أغلبه في الصلاة (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصف وثلثه وطائفة من الذين معك).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير