تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كعادتي منذ زمن، كنت أنزل إلى السوق كل ضحى، وأجلس برهة عند الوالد في الدكان (2)، ثم أشتري جريدة، وأتطلع خلال ذلك إلى موزع البريد وكأنه مدين لي بشيء أنتظر منه سداده، الحق أن شكوكاً كثيرة أخذت تتطرق إلى ذاكرتي، ماذا سأفعل إذا ما ظللت هذه السنة من غير عمل، كان ذلك يدور في مخيلتي، ومرة أحدث نفسي بالذهاب إلى الموصل ومحاولة التقديم إلى الجامعة لعلي أقبل فيها، خاصة أن رئيس القسم قد تغير، وذهبت أُمَنِّي نفسي بأني قد تعينت وأني سأذهب لإكمال الدراسة، وسأفعل كذا وأفعل كذا، ولكنها مجرد أحلام يقظة يوحيها اليأس .. وبينما أنا كذلك إذا بالوالد يرمي إلي برسالتين اثنتين، وكأنما قفز في قلبي شيء، ثم تعثر وما تيسر له القيام عندما علمت أن تلك الرسالتين خطابان رسميان من جامعة الموصل، واحد لي والآخر للعم مصطفى الحمد، الجامعة تطالبني بالمساعدة المالية التي استلمتها حين كنت أسكن في القسم الداخلي في أثناء الدراسة، وهي مبالغ السنتين الأخيرتين فقط، لأن السنتين الأولى والثانية كانت المخصصات تُعْطَى للطلاب بصورة منحة لا تسترد، ولما جاءت الثورة ورسخت أقدامها وأخذ اتحاد الطلبة يحقق مطالب الطلاب ويحمي مكاسبهم جعلوا مخصصات القسم الداخلي سلفة تسترجع من الطالب بعد سنة التخرج! وقد جاءني كتاب بشأن تلك الفلوس منذ أن كنت جندياً، وتم إرسال كتاب من الوحدة العسكرية إلى الجامعة يؤيد كوني جندياً، حتى يتريثوا في طلب استرجاع المبلغ من الكفيل العم مصطفى، وزاد ذلك الطين بلة واليأس وجوماً، ولا أدري ما الذي أنا فاعله، ولكن لابد من السفر إلى الموصل ومراجعة الجامعة حتى أتمكن من تأجيل تسديد المبلغ أو أي أمر آخر يمكن أن يكون ..

السفر إلى الموصل

الاثنين 12 تشرين الثاني 1973م = 17 شوال 1393هـ

بعد ظهر هذا اليوم عزمت على السفر إلى الموصل، ونزلت إلى الشارع العام حيث يمكن أن أجد سيارة تقلني إلى الموصل التي ربما مضت عليَّ سنة لم أدخلها، وركبت في إحدى تلك السيارات التي تنقل المسافرين من بغداد إلى الموصل بـ (300 فلس) وكنت طول الطريق أفكر في سني الدراسة في جامعة الموصل وكم مرة ذهبت إلى الموصل وعدت منها إلى بيجي، وكيف انقضت تلك السنون وأهلها وكأنها وكأنهم أحلام، تبددها اليقظة، المهم وصلت الموصل، وكنت أفكر في النزول في فندق نظيف وإن كان أجره غالياً، مثل فندق الكرامة، لكني أخيراً نزلت في فندق الحدباء الذي كنت أنزل فيه كل مرة، وهو ليس رديئاً في ظني، قبل حلول الظلام قلت أزور صديقي الحاج (فارس) وهو ينزل في مدينة النبي يونس، ووصلت إلى هناك عند صلاة المغرب، هو الآن يعمل في بلدية الموصل منذ زمان طويل إلا أنه قد صار معاون ملاحظ بعد أن كان بعنوان مراقب، بعد أن نال شهادة البكلوريوس من جامعة الوصل من قسم اللغة العربية، اقترح علي أن نزور الأستاذ حازم عبد الله (3)، وخاصة أنه يريد أن يسافر إلى القاهرة لإكمال الدراسة والحصول على الدكتوراه، وبيت الأستاذ يقع في حي الجامعة شمال المجموعة الثقافية قرب منطقة الغابات، وقضينا عنده أكثر من ساعة حدثنا فيها بعض الأحاديث وحفنا بود كبير، وأبدى اهتماماً بأمري واقترح أن أزور رئيس قسم اللغة العربية الجديد، وأعرض عليه الحال لعله يمكن أن يقدم أية مساعدة، ووعدني أنه سيحاول إرسال نتيجة القبول حال وصوله إلى القاهرة واستقراره فيها، وعدت أنا إلى الفندق وذهب الأخ الحاج فارس إلى منزله بعد إلحاح منه أن أنزل عندهم الليلة وليتني فعلت، أو انتقلت إلى فندق آخر، فقد كان نصيبي في الغرفة قرويان كان أحدهما رجلاً متقدماً في العمر، وقد سَعَلا طيلة الليل سُعَالاً مدويا يَقُضُّ المضاجع، فنمت وكأني أنام في ميدان حرب وقتال.

زيارة رئيس قسم اللغة العربية

الثلاثاء 13 تشرين الثاني 1973

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير