تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً? (لقمان:20)، كل ذلك كامن في كتاب الله عز وجل، وعلى المسلمين استخراجه.

مصادر الهدى المنهاجي

وتتلخص في ثلاثة مصادر كبرى، وهي أولا: القرآن فهو الأصل لغيره، ثانيا: السنة التي هي بيان القرآن ?وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ? (النحل:44)، ثالثا: السيرة النبوية. فعندنا ثلاثة مصادر هي: القصص القرآني والقصص الحديثي ثم السيرة النبوية.

هذه المصادر الثلاثة فيها يتركز الهدى المنهاجي، وإلا فهو موجود في كتاب الله عز وجل كله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، وفي السيرة النبوية الصحيحة كلها كذلك. فالسيرة هي "الوجه العملي للقرآن مربوطا بالزمان"، أو هي "السنة المنظومة في الزمان"، فإذا كان ما في كتب الصحاح والسنن يمثل الإسلام في الوضع الأفقي، أي يستجيب للقضايا الفقهية والعقدية وغيرها، أي ما هو الإسلام؟ وما هو الإيمان؟ وما هو الإحسان؟ فذلك عرض للإسلام في الصورة التي انتهى إليها، لكن السيرة النبوية تعرض ذلك نفسه بطريقة تنمو وتتطور، منذ بدء نزول القرآن إلى اكتماله. فكل ما قاله صلى الله عليه وسلم بين ?اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ? (العلق:1) وبين ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا? (المائدة:3)، قاله بين لحظة بعثته صلى الله عليه وسلم وبين آخر نزول للوحي. في تلك الفترة قال كل ما نجده في كتب السنة، لكن عبر زمان وعبر ظروف بعينها تطوَّر خلالها تطوُّرا؛ وكان يناظر إحلال القرآن الذي كان يتنزل ويجعله واقعا في الحياة، التي كانت إذّاك تتشكل بحسب الهدى المنهاجي الذي يأتي به القرآن.

لكن الهدى المنهاجي يتركز أولا في القصص القرآني. لأن الله عز وجل قال لرسوله وللأمة جمعاء: ?أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه? (الأنعام:90)، نحن -ونحن نقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة- ليس لنا طلب غير طلب الهدى ?اِهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ? (الفاتحة:6) أيّ صراط؟ ?صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ? (الفاتحة:7) هؤلاء الذين أنعم الله عليهم، هم كما في الآية الأخرى: ?وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ? (النساء:69)، هؤلاء الذين أنعم الله عليهم، رأسُهم وأئمتهم هم الأنبياء عليهم السلام. ولذلك قال تعالى: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ? (يوسف:111). من هنالك ينبغي أن يستفاد الهدى المنهاجي. ففي كل قصة فوائد غزيرة، وفي مجموع القصص فوائد أغزر، وحين يرتبط ذلك بما هو بعده -مما هو آت- يصبح أعظم فائدة.

أيضا القصص الحديثي، فالنصوص الحديثية كلها مجال للهدى المنهاجي، لأن الحديث بيان للقرآن، ولكن الذي فيه التركيز أكثر لهذا الهدى هو الحديث الذي يشتمل على القصص والأمثال.

وأما المصدر الثالث، فهو السيرة النبوية، التي هي الإطار الزمني للقرآن الكريم مفرقا ?وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً? (الإسراء:106)، وهي الإطار الزمني أيضا لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم من السنة الصحيحة. فالسيرة هي قصة النبي الخاتم، قصة أعظم رسول وأعظم نبي وأعظم بشر. فقصته الكبرى توجد في السيرة النبوية. وإذا كانت قصص الأنبياء توجد في القرآن الكريم، وتوجد إشارات إليها وبيانات في السنة الصحيحة أيضا، فقصته صلى الله عليه وسلم موجودة في السيرة النبوية التي هي "الصدى العملي الأعلى للقرآن الكريم". هذه الحقيقة تجعلنا ننظر إلى السيرة النبوية في علاقتها بالقرآن الكريم، نظرة جديدة مهمة في زماننا هذا، لأن واقع الأمة لابد من العمل على الانتقال منه إلى الموقع الذي يريد الله منها أن تكون فيه، وهو موقع الشهادة على الناس. هذا الانتقال أكبر مرشد له وأكبر هدى منهاجي يمكن أن نستخلصه له هو في تلك السيرة مربوطةً بالقرآن الكريم، أو من القرآن الكريم مربوطا بالسيرة؛ لأن كثيرا من وقائعها موجود في كتاب الله سبحانه وتعالى، فالحياة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير