تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ? (فصلت:44). فلا يسمعون إذ لا صلة لهم بالقرآن، فالذي لا يؤمن بالقرآن لا يمكن أن يفهم القرآن، ولذلك لا يمكن أن يؤخذ عنه علم القرآن. والذي لا يعمل بالقرآن أيضا لا يمكن أن يؤخذ منه لا القرآن ولا علم القرآن. هذا العمل هو الذي يعطي النور ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ? (الحديد:28). فهذا النور لا يكون بغير التقوى، ولذلك كان الإيمانُ بالقرآن والعمل بالقرآن شرطا في الفهم السليم للقرآن.

والشرط الثالث: هو فقه حاجة الأمة في هذا الزمان، فالذي يتصدى لاستنباط الهدى المنهاجي لا يكفيه أن يكون عليما بالعربية، عليما بعلوم القرآن، مؤمنا بالقرآن، بل لابد أن يكون مفقّها في ظروف زمانه، فقيها في حاجات الأمة اليوم، يعاني أحوال الأمة ويعرف وضعها أين هي؟ وما حالها؟ وما الذي تحتاج إليه الآن؟ لابد أن يفقه هذا. وهذا يقتضي "المعاصرة التامة والمعايشة التامة لزمانه"، لأن عملية تنزيل النص على الواقع تتأثر عمليا بذلك. فالواقع لابد أن يُعرف لينزَّل عليه القرآن التنزيل الصحيح. زيادة على أنه مهم ليكون حلا للمعضلات والمشكلات، وليكون طريقا فعلا إلى الصعود لتصبح الأمة -عمليا- واحدة، وتصبح شاهدة، وتصبح رائدة. هذا مطلوب منا اليوم، مطلوب أن نسير في هذا الطريق حتى تصبح الأمة واحدة. والأمة في أصلها واحدة، ويجب أن تعود يوما ما واحدة، لابد أن تعود بجهد المسلمين جميعا حكاما ومحكومين، رؤساء ومرؤوسين، لابد أن يتعاونوا على هذا البر وعلى هذا التقوى، لكي تعود الأمة واحدة، ثم لكي تعود شاهدة، أي مؤهلة فعلا للشهادة على الناس، ولكي تعود رائدة لسواها في كل المجالات.

التركيز في الدرس القرآني على الهدى المنهاجي

عندنا في الدرس القرآني ثلاث علاقات: علاقة بتراثنا القرآني، وعلاقة بحاضرنا اليوم، وعلاقة بمستقبلنا.

ففي الأولى: ينبغي أن نركز على هذا الهدى المنهاجي لدى علمائنا، سواء في التفاسير أو في غيرها، يجب أن نبحث هناك وننقب عن هذا النوع الذي يمكن أن نستفيد منه اليوم. ويدلنا الدلالة الصحيحة على كيفية النهوض من جديد، وكيفية العود إلى الصراط المستقيم، إلى الوضع الصحيح، إلى الموقع العلي. هذا الذي ينبغي أن يكون في البؤرة.

وفي الثانية: يجب أن يكون التركيز على الهدى المنهاجي في معالجة أدواء الحاضر ومعضلاته. فالذين يبحثون في الأمة، والذين يفكرون، والذين يجتمعون على الخير أو يتشاورون، كل مَن فكّر وحَمَل همّ الأمة واتجه إلى أن يحل معضلة من معضلاتها أو يعالج داءً من أدوائها، يجب أن يعالجه أولا في ضوء ما استخلصه من كتاب الله عز وجل، من هذا الهدى الذي يلزم لمعالجة هذا الداء، بمعنى أن لا نعالج أدواء الحاضر بالهدى الغربي أو الهدى الشرقي، يجب أن نعالج أدواءنا بالهدى القرآني الذي هو هدى الله أما ما جاء عن سواه من الفهوم التي للبشر -مهما بلغت منزلتهم ودرجتهم- فلا يستطيعون أن يصفوا الأدوية الكافية الشافية؛ لأنهم لا يعلمون كل شيء، لا يعلمون الغد ولا الحاضر ولا الماضي، بينما الله عز وجل يعلم السر وأخفى ?أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ? (الملك:14). ولذلك فالدراسات أو البحوث أو المؤتمرات وكل الجهود يجب أن تركز على هذا الأمر.

ونفس الشيء في علاقتنا بالمستقبل، وذلك إذا استشرفنا المستقبل لا نستشرفه بناء على أفكار وعلى تخرصات، وإنما نستشرفه بناء على هدى منهاجي استنبطناه من كتاب الله عز وجل لنبني غدنا على أساس متين، موصولا بحاضرنا وبماضينا، لا قطيعة فيه ولا انبتات، وهو على الهدى الرباني الذي أراد الله عز وجل؛ لأن عز هذه الأمة هو في دينها، فإذا فرّطت في دينها ضاع عزها كما نراه اليوم. وإن هذه الأشكال من الخلل التي نراها نحن، أو يراها غيرنا من الخارج، ويسمونها بأسماء، إنما هي نتائج لغياب هذا الهدى. فنحن الآن لا نعلِّم الأمة القرآن، أوَ نستطيع أن ندعي هذا الادعاء؟! التعليم عندنا اليوم لا يجاوز أربعة أحزاب فقط في المغرب، وهي تُعطى في المرحلة الابتدائية حيث الطفل لا يستطيع أن يستفيد شيئا من هذا الذي نتحدث عنه، فهل ستة وخمسون حزبا ليست من القرآن؟! هل يوجد شيء أهم في حياة الأمة من القرآن حتى نقدمه على القرآن؟! هل يوجد؟ كلا طبعا! .. فيجب أن يصبح القرآن هو الأساس في التعليم وفي بناء الشخصية في الأمة، هذه نصيحة لله تعالى، وحقيقة نعلنها ونسرها ونجهر بها، هذا عين الحق الذي يجب أن يتبع.

إن هذا الاستشراف لابد أن يسهم ويتعاون عليه التعليم بالدرجة الأولى، والبحث العلمي والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بصفة عامة. والطريق هو أن يتجه الجميع نحو قبلة واحدة، هي التركيز على القرآن الكريم لاستفادة ما ينبغي الاستفادة منه، والتركيز على الوحي جملة بما فيه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتركيز على الذين استنبطوا من ذلك الهدى ما استنبطوا، مما ينفعنا مما أشرنا إليه في علاقتنا بالماضي، كل ذلك نستفيد منه جميعا ونتجه إليه جميعا. فالإدلاجَ الإدلاج، وعند الصباح يحمد القوم السرى .. !

ــــــــــــــــــــــ

(*) الأمين العام لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) / المغرب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير