في نفوس الناس تنتشر بينهم , ولا يَدَعُون الدعاة يتحركون لإيصال كلمة الحق إلى النفوس , وأنا منذ أن شببت أجد نفسي في ظل هذه العزلة المحببة إليَّ حين تقسو الأيام، الحق أنها ليست عزلة لأن المسلم لا يشعر في يوم ما أنه وحيد في عصره وحيد في حياته إنه يستمد قوة من الله سبحانه، وهو الذي يقول: {إن الله مع الذين اتقوا} , حين تنتابني ساعة من ساعات الضعف تلك أجدني مدفوعاً إلى قراءة القرآن والحرص على حضور صلاة الجماعة في المسجد , ثم أجد راحة تغمرني أو أتحسسها أكثر لأننا نعيش ونعم الله لا نكاد نحصيها بل لا نحصيها , ولكن تبقى هذه الساعات الحزينة تزورني، وربما لو كنت في بلادي التي أحببتها لَقَلَّتْ، ولكنها كربة المسلم أينما حل , والله هو وحده المسؤول أن يفرج الكرب.
ذكرى نكبة حزيران
الأربعاء 5 حزيران 1974م = 14 جمادى الأولى 1394هـ
كانت الساعة تقارب الثانية عشرة ظهراً , كنت أسير في ساحة الشهداء في بغداد بعد أن أديت امتحان مادة التاريخ، كان ذلك في الخامس من حزيران سنة 1967 كنت في بغداد لأداء الامتحان الوزاري (امتحان البكلوريا) في نهاية مرحلة الإعدادية، كنا نؤدي الامتحان منذ مطلع ذلك الشهر , وكانت الامتحانات الوزارية تجري في مراكز المحافظات، كنت أسير وهجير الشمس يلوذ منه الناس إلى الظلال، وإذا بصوت مُكَبَّرٍ من بوق يدوي بالبشرى الحزينة المخيبة للآمال بشرى يا عرب مدفعيتنا أسقطت سبعين طائرة للعدو، كان ذلك أول علمي ببداية هجوم إسرائيل على الدول العربية بادئة بمصر، وقد صَوَّرَ المُهَرِّجُون الأمر في ذلك اليوم أن الجيوش العربية تكاد تعصر قلب إسرائيل، والبشرى بإسقاط الطائرات تَصُمُّ آذان الناس , ماذا لو أسقطنا آلاف الطائرات لإسرائيل وهي في الختام تسيطر على الأراضي وتحطم الجيوش، المهم النصر أولاً وآخراً , والنصر لا يجيء بدون تضحيات، وإذا كانت إسرائيل قد خسرت حقاً سبعين طائرة في ضربتها القاضية للطيران المصري في صباح يوم 5 حزيران فإن مصر خسرت طائراتها وخسرت الحرب هي والدول العربية الأخرى المشاركة في الحرب. وانتهت الحرب (قبل أن تبدأ) واحتلت إسرائيل ما احتلت من أراضٍ في سيناء والضفة الغربية لنهر الأردن والجولان , ومضت على ذلك السنوات، وجاء العاشر من رمضان وفعلا حقق العرب فيه تجاوزاً لهزيمة 5 حزيران، ولا أقول نصراً كما يقول المهرجون أيضاً , حقق العرب فيه مكاسب سياسية ومعنوية وعسكرية إلى حد ما , ولكن النصر لم يتحقق وقد أخذ طريقاً ملتوياً بعد أن توقف القتال بعد سبعة عشر يوماً , وإلى اليوم والمفاوضات تدور وفصل القوات أول مرحلة على الطريق، والاتفاقات تنهب وحدة العرب.
نُشِرت هذه الحلقة يوم الجمعة 28/ 2/1431هـ
ــــــــ الحواشي ــــــــــ:
(1) كنت قد تعرضت لإصابة قديمة في أثناء لعب كرة القدم.
(2) أجريت العملية في بغداد في يوم 23/ 12/1984، والحمد لله.
الحلقات السابقة:
1 - ذكريات غانم قدوري الحمد ........ (الحلقة الأولى) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18525)
2- ذكريات غانم قدوري الحمد ........ (الحلقة الثانية) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18581)
3- ذكريات غانم قدوري الحمد ........ (الحلقة الثالثة) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18636)
4- ذكريات غانم قدوري الحمد ........ (الحلقة الرابعة) ( http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=18711)
ـ[محمود سمهون]ــــــــ[14 Feb 2010, 03:40 م]ـ
ما شاء الله،،،،
هذه الذكريات الرائعة، وها هي نفسي تروادني لكي أدون على مفكرتي الشخصية الأحداث اليومية التي أجدها في حياتي،،،
بارك الله بك على هذه الذكريات ....
ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[18 Feb 2010, 10:38 م]ـ
بارك الله فيكم أخي فضيلة الشيخ محمود، ووفقكم لما فيه خير الإسلام والمسلمين.