- هل يجوز لنا أن نعمل مفهوم المخالفة هنا، بأن التصعد في السماء امتنع لأن أسبابه لم تتوفر للصاعد كما لم يتوفر سبب السعادة للكافر بامتناعه عن تقبل الهداية، في حين أنه يجوز لمن أخذ بأسبابه كأخذ المؤمن بأسباب الهداية التي تجعل الضنك فسيحاً والكرب فرجاً والفقر غنى .. وهذا المفهوم المخالف لازم قد يرد على هذا التشبيه المجمل؟. ونعلم أن التشبيه اقتصر على وصف حال صدر الكافر الضيق الحرج .. ولم يعرض لصدر المؤمن المتسع بل قال: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) فذكر سعة الصدر فحسب، ولو طردنا التشبيه عليه لقلنا: (فكأنما ينطلق في السماء الواسعة بلا قيد) .. كما يصعد الكلم الطيب ويرتفع العمل الصلح .. والله أعلم. ألا يمكن هذا؟.
غير أنها لم تذكر لأن صورة الانطلاق المطلق في السماء غير ممكن على إطلاقها هذا .. فحذفت لتكون بلاغة من بلاغة القرآن أيضاً فيما يذكر وفيما يحذف ..
- ليس الصعود إلى السماء ممتنعاً امتناع استحالة .. بل هو وارد بأنواعه في القرآن والسنة ووارد في الشعر العربي الجاهلي (مع استثناء حالة المعراج لأنها معجزة خارقة ولا أريد أن أقحمها في القياس هنا والطرد):
* (فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية) الأنعام.
* (أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه) الإسراء.
* (فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى .. ) القصص.
* (وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى) غافر ..
* (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان).
* (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المعارج.
* وجاء في تفسير قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم): قوله عليه الصلاة والسلام: " والذي نفسي بيده لو كان الإيمان منوطاً بالثريا لتناوله رجالٌ من فارس ". والثريا: نجم في السماء المنظورة بالغ العلو. ولا حاجة إلى تأويل التناول هنا لأنه ورد في بعض الروايات: " لذهب .. ".
أخرجه الترمذي (فضل العجم) وحسنه، وأحمد في المسند (لو كان العلم) والحاكم في المستدرك وابن حبان في الصحيح وأبو يعلى في مسنده.
* وقال زهير بن أبي سلمى:
من هاب أسباب المنايا ينلنه .. ولو رام أسباب السماء بسلمِ.
ولو كان الامتناع مستحيلاً من كل وجه (والامتناع لا يعني الاستحالة) لما أقسم عليه النبيء صلى الله عليه وسلم .. ولا أخال النبيء صلى الله عليه وسلم يغرق في المبالغة إلى حد مبالغات الشعراء.
- العبرة بطلاقة اللفظ لا بخصوص التفسير الزمنيّ المرتبط بالرأي .. وهي قاعدة قوية من قواعد فهم القرآن وفهم كل كلام .. والخطاب القرآني (هنا) آنيّ طليق متجدد الإفادة في كل تلاوة .. يجادل صاحبه كما يجادل عنه .. وليس كتاباً تاريخياً مقيداً، وإن كان ذلك التاريخ الموافق لتنزل القرآن ليس ككل تاريخ .. هو تاريخ منظور إليه بكل عناية في فهم القرآن ..
- يجب أن نقر أن الآية ذكرت أن الصعود في السماء يسبب ضيقاً كضيق الكافر من تقبل الهداية .. وأن الصعود في السماء أوضح في الدلالة على الضيق من دلالة ضيق صدر الكافر وحرجه من الهداية؛ لأن المشبه به أوضح للمخاطب من المشبه، هكذا ينبغي أن يكون.
- لا نلتفت - في بدء الأمر - كثيراً إلى سبب ذلك الضيق .. إلا إذا قارنا بين سبب الضيق والحرج في الصدر من الكفر، وهو مرحلة متأخرة عن حصول الضيق، وهو عدم دخول نور الهداية بسبب ضيق الكفر .. وسبب الضيق والحرج من التصعد، وهو بسبب قلة ضغط الهواء الذي يضيق أسباب النفس.
- لو رتبنا النظر في وجه الشبه على درجات بحسب الأهمية للمخاطب لكانت كالآتي:
= الدرجة الأولى (المتبادرة): هي الامتناع.
= والدرجة الثانية: نوع الامتناع. وهو ليس امتناع استحالة ..
= الدرجة الثالثة: أسباب ذلك الامتناع. وهو مقيد بالطاقة البشرية ..
وهي شبيهة بالعلل الأوائل والثواني والثوالث .. والمعول على الأولى ولا شكّ .. ولا إلغاء إلا بشهادة شرعية تلغي مصلحة الإثبات.
وكلها - والله أعلم - داخلة في عموم ألفاظ كلام الله ولوازمه، لأن لوازم الكتاب مقصودة، بخلاف لوازم كلام الناس.
- لا زالت كتب التفسير لا تنتهي عن إيراد ما يستملح من معان قريبة من دلالة الآية أو بعيدة عنها .. ولا نكير ولا تهمة ولا تحكّم ..
- وكل يعرف أن القرآن فيه من المعاني المكنوزة أضعاف ما يظنه قراؤه العقلاء .. فلا داعي لحجر الواسع عليهم فيما دعاهم الله إليه من التدبر والاعتبار وإنعام النظر فيه حالّين مرتحلين ..
والله أعلم ..
ـ[محمد العبادي]ــــــــ[08 Oct 2010, 01:43 ص]ـ
مدارسة علمية جميلة فتحت أبوابا عديدة من العلم والفهم ..
ومثّلت أنموذجا لأدب النقاش ..
وفقكم الله جميعا.