نعم، ان انتشار الاغصان في الهواء وحملها للأثمار، وتشعب الجذور في الصخور الصماء، وخزنها للغذاء في ظلمات التراب .. وكذا تحمّل الاوراق الخضراء شدة الحرارة ولفحاتها، وبقاءها طرية ندية ..
كل ذلك وغيره صفعة قوية على افواه الماديين عَبَدة الاسباب، وصرخة مدوية في وجوههم، تقول لهم:
ان ما تتباهون به من صلابة وحرارة ايضاً لا تعملان بنفسيهما، بل تؤديان وظائفهما بأمر آمر واحد، بحيث يجعل تلك العروق الدقيقة الرقيقة كأنها عصا موسى تشق الصخور وتمتثل أمر} فَقُلنا اضرب بعصاك الحَجَر {(البقرة:60) ويجعل تلك الاوراق الطرية الندية كأنها اعضاء ابراهيم عليه السلام تقرأ تجاه لفحة الحرارة:} يا نارُ كوني برداً وسلاماً .... {(الانبياء:69).
فما دام كل شئ في الوجود يقول معنىً ((بسم الله)) ويجلب نِعَم الله باسم الله ويقدمّها الينا، فعلينا ان نقول ايضاً ((بسم الله)) ونعطي باسم الله ونأخذ باسم الله.
وعلينا ايضاً ان نردّ أيدي الغافلين الذين لم يعطوا باسم الله.
سؤال: اننا نبدي احتراماً وتوقيراً لمن يكون سبباً لنعمة علينا، فيا ترى ماذا يطلب منا ربنُّا الله صاحب تلك النعم كلها ومالكها الحقيقي؟
الجواب: ان ذلك المنعم الحقيقي يطلب منا ثلاثة امور ثمناً لتلك النعم الغالية:
الاول: الذكر .. الثاني: الشكر .. الثالث: الفكر ..
فـ ((بسم الله)) بدءاً هي ذكرٌ، و ((الحمد لله)) ختاماً هي شكرٌ، وما يتوسطهما هو ((فكر)) اي التأمل في هذه النعم البديعة، والادراك بأنها معجزة قدرة الأحد الصمد وهدايا رحمته الواسعة ... فهذا التأمل هو الفكر.
ولكن أليس الذي يقبّل أقدام الجندي الخادم الذي يقدّم هدية السلطان يرتكب حماقة فظيعة وبلاهة مشينة؟
اذن فما بال مَن يُثني على الاسباب المادية الجالبة للنعم، ويخصصها بالحب والود، دون المنعم الحقيقي! ألا يكون مقترفاً بلاهة أشد منها الف مرة؟
فيا نفس!! ان كنت تأبين أن تكوني مثل الاحمق الابله،
فاعطي باسم الله ..
وخذي باسم الله ..
وابدأي باسم الله ..
واعملي باسم الله ..
والسلام
ـ[خلوصي]ــــــــ[25 Feb 2010, 03:32 م]ـ
الكلمة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
] الذين يُؤمنون بالغَيب [
ان كنت تريد ان تعرف مدى ما في الايمان من سعادة ونعمة، ومدى ما فيه من لذة وراحة، فاستمع الى هذه الحكاية القصيرة:
خرج رجلان في سياحة ذات يوم، من أجل الاستجمام والتجارة. فمضى احدهما وكان انانياً شقياً الى جهة، ومضى الآخر وهو رباني سعيد الى جهة ثانية.
فالاناني المغرور الذي كان متشائماً لقي بلداً في غاية السوء والشؤم في نظره، جزاءاً وفاقاً على تشاؤمه، حتى انه كان يرى - أينما اتجه -
عجزةً مساكين يصرخون ويولولون من ضربات ايدي رجال طغاة قساة ومن اعمالهم المدمّرة.
فرأى هذه الحالة المؤلمة الحزينة في كل ما يزوره من اماكن، حتى اتخذت المملكة كلها في نظره شكل دار مأتم عام. فلم يجد لنفسه علاجاً لحاله المؤلم المظلم غير السُكر، فرمى نفسه في نشوته لكيلا يشعر بحاله، إذ صار كل واحد من اهل هذه المملكة يتراءى له عدواً يتربص به، واجنبياً يتنكر له، فظل في عذاب وجداني مؤلم لما يرى فيما حوله من جنائز مرعبة ويتامى يبكون بكاءاً يائساً مريراً.
أمّا الآخر الرجل الربّاني العابد لله، والباحث عن الحق، فقد كان ذا أخلاق حسنة بحيث لقي في رحلته مملكة طيّبة هي في نظره في منتهى الروعة والجمال.
فهذا الرجل الصالح يرى في المملكة التي دخلها احتفالات رائعة ومهرجانات بارعة قائمة على قدم وساق.
وفي كل طرف سروراً، وفي كل زاوية حبوراً،
وفي كل مكان محاريب ذكر.
حتى لقد صار يرى كل فرد من أفراد هذه المملكة صديقاً صدوقاً وقريباً حبيباً له.
ثم يرى ان المملكة كلها تعلن - في حفل التسريح العام - هتافات الفرح بصيحة مصحوبة بكلمات الشكر والثناء.
ويسمع فيهم أيضاً أصوات الجوقة الموسيقية وهي تقدم ألحانها الحماسية مقترنة بالتكبيرات العالية والتهليلات الحارة بسعادة واعتزاز للذين يساقون الى الخدمة والجندية.
فبينما كان ذلك الرجل الاول المتشائم منشغلاً بألمه وآلام الناس كلهم .. كان الثاني السعيد المتفائل مسروراً مع سرور الناس كلهم فرحاً مع فرحهم. فضلاً عن انه غنم لنفسه تجارة حسنة مباركة فشكر ربه وحمده.
¥