وقال أيضاً: ((وقد وقع بعض ذلك في الكتب التي انكب أهل العصر عليها كشراح الشاطبية ... وقد اخذ الله العهد على العلماء أن لايكتموا ماعلمهم ويبينوه غاية جهدهم .. فاستخرت الله تعالى في تأليف كتاب أبين فيه القراءات السبع ... وإن كان المتواتر والصحيح أكثر من ذلك ... ماشيا على طريقة المحققين كالشيخ العلامة أبي الخيرمحمد ... الجزري .. رحمه الله .. من تحرير الطرق وعدم القراءة بما شذ، وبما لايوجد))، (غيث النفع/4)
وماأريد أن أضيفه أخي الكريم هو تقسيّم العلماء المعروف لعلم القراءات وتوزيعه إلى عدة قضايا منها:
1 - (قضيتا القراءات (المتواترة والشاذة): وهما بشكل عام كلمات تبدأ من أول باب في أصول القراءات حتى آخر سورة الناس في الفرش)،ويمكن منهجيا دراستهما بجمعهما، جمعا إحصائياً، ثمّ يحاول باحث أو أكثر أن يتبيّن حكم مافيهما من الزيادات و النقص؟ ثمّ يستخرج نتائج بحثه ويعرضها ماتوصل إليه بطريقة ثابتة واضحة، وقد قُدِّمت في هاتين القضيتين دراستان جيدتان واحدة للدكتور محمد الحبش، والثانية للدكتور محمود الصغير، وهما بعنوان: القراءات المتواترة، والثانية بعنوان الشاذة.
2 - (قضية الإسناد، وتوثيق الرجال) بمعزل عن الرواية: فقد قرر العلماء شروط المقرئ، بمعزل عن الرواية (الكلمات)، وهي الإسلام العقل البلوغ الأمن الضبط الخلو من الفسق ومسقطات المروءة، وعدم الإقراء إلا بماسمعه، أو قرأه عليه وهو مصغ له، أوسمعه بقراءة غيره عليه فإن قرأ نفس الحروف المختلف فيها خاصة أو سمعها وترك ماتفق عليه جاز إقراؤه واختلف في إقرائه بما أجيز فيه، ... فهذا كله يتفق ومصطلح الحديث.
وقرروا كذلك في مقدمات كتبهم أسانيدهم الموصلة لطرقهم،ثم لرواتهم ثم لقرائهم إلى التابعين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فصارالمقرئ يحتاج إلى الإسناد وهو الطرق الموصلة إلى القرآن لأنه من أعظم مايحتاج إليه، لأن القراءاة سنة متبعة ونقل محض فلابد من إثباتها وتواترها ولاطريق إلى ذلك إلا بهذا.
وقد ثبت بالاستقراء أنهم فرقوا في التأليف بين مؤلفات القراءات والتراجم فالكلمات القرآنية (في الأصول والفرش) بأسانيدها الواردة في مقدمة الكتاب، التي أوصلتها إلينا كانت في جهة، و (تراجم القراء وضبط القراء وجرحهم وتعديلهم) التي ألّف فيها الداني، والذهبي، وابن السلار، وابن الجزري، في جهة، وهي لازالت كذلك إلى اليوم، وفي هذا دلالة على قصدهم وهو حفظ القراءات ككلمات محفوظة بحفظ الله لها، ومن جهة أخرى حفظ نقد الطرق الموصلة لها بذكر الثقة والضعيف، ونحوه.
3 - (قضية تعليم القراءات) والإجازة: فقد كانت طريقة المقرئين في الإقراء: هي أنه لابد لكل من أراد أن يقرأ بمضمن كتاب أن يحفظه على ظهر قلب ليستحضر به اختلاف القراء أصلا وفرشا ويميز قراءة كل قارئ بانفراده وإلا فيقع له من التخليط والفساد الكثير فإن أراد القراءة بمضمن كتاب آخر فلابد من حفظه أيضا .... ).وغير ذلك من التقسيمات المعروفة لهذا العلم، وأحسب أنّ الباحث المنصف يعترف بضمان هذه الضوابط التي لاتختلف عن مصطلح الحديث كثيراً فهي اصول ثابتة فيهما.
هذا بعض ما أردت أن أسجله في هذه المداخلة التي تسعى للتوصل إلى (المنهج التوثيقي للقراءات وفق أسس شرعية مقبولة). وفق الله الجميع.
وسأحاول إن شاء الله في دراسة قريبة تناول الموضوع التالي: (اختلاف القراء في ركن الإسناد، بين مؤيد للتواتر، ومقتصر على الآحاد مقارنة بمصطلح المحدثين). والله أعلم.
ـ[أحمد بزوي الضاوي]ــــــــ[21 Jan 2007, 10:05 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين.
الأخ الفاضل أمين الشنقيطي ـ حفظه الله ـ.
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
أما بعد، فإني أحمد الله إليكم على ما فتح الله عليكم من علم وبصيرة، وآمل أن نتعاون لجمع ما يبين لمن يحتاج إلى بيان، ولطمأنة قلوب المؤمنين، أن القراءات القرآنية موثقة توثيقا لا يرقى إليه، الشك، وأن نقد بعض المحدثين لبعض القراء، هو من باب الصناعة الحديثية، وهو دليل على تحري الصدق و الأمانة العلمية، و القيام بواجب صيانة النص الشرعي من كل تحريف، فذلكم الإعجاز: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) مع التنبيه على ضرورة احترام خصوصية كل حقل معرفي، فلا ينبغي إسقاط المقررات العلمية والمنهجية الحديثية جملة و تفصيلا على القراءات القرآنية، التي تحتكم إلى المقياس القرائي الثلاثي الأبعاد:
1 - صحة السند.
2 - موافقة الرسم العثماني ولو احتمالا.
3 - موافقة العربية و لو بوجه.
إنها محاولة فهم و إفهام، وبيان تهافت دعاوى المبطلين، الذين يهرفون بما لا يعرفون، أكثر منها محاولة تجديد.
وهذا نصا لأحد العلماء المغاربة الفضلاء، إنه للشيخ سعيد أعراب ـ رحمه الله ـ حيث يقول: " إن من أركان القراءة الصحيحة صحة الإسناد، فعلى القارئ أن يعرف أحوال الرواة وطبقاتهم، و القراءة سنة متبعة، ونقل محض، وقد تقرر أن من شروط المقرئ أن يكون عاقلا، عدلا، ثقة، كامل الضبط، ولا يجوز له أن يقرأ إلا بما سمع ممن تتوفر فيه هذه الشروط، أو قرأ عليه وهو مصغ له، أو سمعه بقراءة غيره عليه. وتشدد المتأخرون فلم يجيزوا إلا القراءة على الشيخ، لأن المقصود كيفية الأداء، ولا تتحقق إلا بذلك، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته.
أما الصحابة، فربما ساعدتهم فصاحتهم و سليقتهم على الأداء كما سمعوه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولأن القرآن نزل بلغتهم.
والإسناد من خصائص هذه الأمة ... وقد تنافس الناس في الأسانيد العالية، وشدوا الرحال من أجلها، وحلوا فهارسهم وأثباتهم بها ". (القراء و القراءات بالمغرب: سعيد أعراب، ص 72، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1410 هـ / 1990 م.
والسلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
¥