تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و لا أخفي على فضيلتكم أن ما أثرتموه حثني على المزيد من البحث والتنقيب في كتب تنتمي لمجالات علمية قد يظنها البعض بعيدة عن القراءات القرآنية، فإذا بي أجد بها قضايا مثارة منذ زمن بعيد من قبل الفقهاء المالكية، و نص عليها الونشريسي (ت 914 هـ) في كتابه الرائع: " المعيار المعرب و الجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب " تحقيق مجموعة من الفقهاء تحت إشراف أستاذنا الدكتور محمد حجي ـ رحمه الله ـ، نشر وزارة الأوقاف، المغرب. مما يؤكد ما أشرت إليه في أول عرض للموضوع من أن العلوم الإسلامية تشكل منظومة متكاملة لا يمكن فهم إحدى جزئياتها إلا في إطارها الشمولي، مما يحتم علينا كباحثين تجاوز النظرة التجزيئية، وأن تكون مقارباتنا العلمية ذات بعد شمولي تتمثل الإسلام باعتباره منظومة متكاملة.

و قبل أن أشرع في عرض ما نوهت به، أحب أن أبين أنكم ـ يا أخي الشنقيطي ـ بالعنوان الذي اقترحتموه، تفتحون بابا آخر لمعالجة المسألة. و ليت الذين يبحثون عن مواضيع تصلح لإنجاز أبحاث الماجستير والدكتوراه، يتابعون مثل هذه المحاورات العلمية، فإنهم سيقعون على نفائس ودرر، تحتاج عينا بصيرة ترمقها، و عقلا كبيرا يستوعبها، و قلبا فياضا يحتضنها، ويدا قديرة تتعهدها.

كما أنوه بمشاركة الأخ الفاضل محمد يحيى شريف ـ حفظه الله ـ متمنيا على الله تعالى أن يوفقه لما يحبه و يرضاه، و أن تكون هذه المناسبة فرصة لمزيد من التواصل و التعاون.

** تسير العلوم الإسلامية في خطين متوازيين:

1 - التوثيق.

2 - الفهم.

وما يهمنا هنا هو التوثيق مناهجه، قواعده و أصوله العامة، وطرقه الإجرائية التي اعتمدها العلماء في كل حقل معرفي من حقول المنظومة المعرفية الإسلامية. تجنبا لما يمكن الاصطلاح عليه بالإسقاط المنهجي، حيث اعتماد مناهج لا تراعي خصوصيات المجال أو الموضوع، مما يجعل الدراسة غير علمية، و تفتقد للمصداقية، فضلا عن أنها تنتهي إلى نتائج غير مرضية، و غير علمية، لأن ما أسس على باطل فهو باطل. وهذه المسألة لا ينتبه إليها كثير من الباحثين، حيث تجدهم حذرين من الوقوع في الإسقاط المعرفي، و لكنهم لا يرون بأسا في الإسقاط المنهجي، علما أن البحث العلمي يعتمد الرؤية و المنهج، فهما رجلاه اللتان يستوي عليهما قائما، و دعامتاه اللتان يبنى صرحه عليها. و من ثم وجب التنبيه إلى أن الإسقاط إسقاطان: معرفي و منهجي.

أ ـ البديهيات المعرفية و المنهجية: لا بد لنا من بيان البديهيات المعرفية و المنهجية بالنسبة للقراءات القرآنية في صلتها بعلوم الحديث من حيث التوثيق، و التي يمكن حصرها في ما يلي:

1 - للقراءات القرآنية صلة بعلوم الحديث.

2 - القراءة سنة متبعة.

أهمية السند بالنسبة للقراءات القرآنية.

3 - لا يمكن أن تكون القراءة قراءة ما لم تكن صحيحة السند.

4 - التواتر عند القراء ليس هو التواتر عينه عند المحدثين، باعتباره يعتمد المقياس القرائي:

أ ـ صحة السند.

ب ـ موافقة الرسم العثماني و لو احتمالا.

ج - موافقة اللغة العربية و لو بوجه.

إن القراءة متى توفرت فيها شروط المقياس القرائي فهي قراءة صحيحة، لا يجوز ردها سواء كانت من السبعة أم غيرها. ومن ثم يمكننا أن نفهم كيف أن بعض العلماء قد تكلموا في بعض القراء، و مع ذلك فإن ذلك لم يؤثر في صحة قراءتهم، و صحة الأخذ عنهم.

إن القراءة متى اتصل سندها برسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، ووافقت الرسم العثماني، ووافقت سنن العرب في الكلام، فإنها أصبحت قراءة متواترة. أليس رسم المصحف متواترا، أخذه الجمع الغفير الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن نظائرهم وصولا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ. أليست موافقة العربية محققة للتواتر؟، باعتبارها القوانين التي تحكم اللغة العربية، و التي يستبطنها الوجدان العربي، و يستطيع بفضلها قبول أو رد جملة أو جملا دون الاحتكام إلى قواعد مقررة، و دون حاجة إلى التعلم. إنها السليقة اللغوية التي يمتلكها صاحب اللسان العربي، باعتبارها لغته الأم، كما هو متعارف عليه في العلوم اللغوية: " اللسانيات ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير