تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن ما نلاحظه من تتبعنا لتاريخ القراءات القرآنية أن القرآن الكريم تمت العناية به لفظا وكتابة، كما تم تلقيه عن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ بالسماع منه و القراءة عليه، وظل منهج السماع و العرض أساس تلقي القرآن الكريم، يؤازرهما النص المكتوب، مرسوم الكتاب. ومن ثم يتعين علينا مراعاة هذه الخاصية في تلقي القرآن الكريم، فلا تعارض بينها، بل بعضها يعزز البعض الآخر، مما يدل على شدة حرص المسلمين على توثيق القرآن الكريم ملفوظا ومكتوبا، و كل ذلك تحقيقا لحكم الله الأبدي: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).

كما أن الاختيار ـ الذي آمل أن تتاح الفرصة قريبا للوقوف عند أسراره و خباياه ـ لا يتعارض مع تلقي القرآن الكريم ملفوظا و مكتوبا، و سماعا و عرضا، فهو اجتهاد في الاختيار مما هو موجود، مما هو ثابت النسبة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ. و لعلنا نستحضر أن الاختيار في القراءات شبيه إلى حد كبير للاختيار في الفقه، و إن كنا نؤمن بأنه قياس مع الفارق لاختلاف المجالين، و اختلاف طريقة إعمال أداة الاختيار، و لكن الأمر عندي محصور في التشابه الحاصل في اختيار الأمة مما هو موجود و متاح. والأمر نفسه موجود في اللغة و لذلك نتحدث عن المستعمل و المهمل، فهناك إمكانيات كثيرة متاحة، و لكن المستعمل المختار منها قليل، وذلك لحسم الخلاف، و جمع الأمة على أمر جامع، حسما للفرقة، و تيسير أسباب التواصل.

إن اختيار الأمة و استقرارها على ما قرأ به رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لا يمكن أن يطعن في بقية ما قرأ به رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ مما لا نقرأ به اليوم.

الإخوة الأفاضل مشاعل العلم، و مناراة الهدى، علينا أن نعالج أمر توثيق القراءات بشيء من الروية و الحكمة، وذلك بالوقوف عند الكليات، و نبذ التعصب، و اتباع الهوى، والتماس الحق و الحقيقة، و قطع الطريق على كل من يريد التشكيك في وثوقية النص القرآني، والتشكيك في قدسيته.

إننا بإثارة أمور جزئية هي اختيارات لأعلام القراء في عصرنا الحالي، و طرحها وكأنها أمور مبتدعة لا أصل لها، والمناقشة الحادة بين أهل الاختصاص حول أمور تفصيلية لا يدركها إلا قلة من أهل الاختصاص الدقيق، و من له باع طويل في مجال القراءات القرآنية، بل إنني لاحظت الخلط بين القراءات و التجويد والحديث عنهما و كأنهما شيء واحد، مع تضخيم للخلاف حول هذه القضايا الجزيثة و الأمور التفصيلية مما يعطي فرصة ذهبية للمبطلين، حيث يستدلون باختلافاتنا على أن النص القرآني غير موثق، و أنه إلى الآن الناس مختلفون فيه، و نحن نقول إنه أمر لا يمكن أن نتصور أن مسلما يخالجه أدنى شك في أن القرآن الكريم هو كلام الله المنزل على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أن نعبد الله تعالى بمقتضاه. إن هذه الأمور يتعين مناقشتها في دائرة ضيقة بين أهل الاختصاص عبر بريدهم الخاص، أو في لقاءات علمية خاصة، ندير فيها النقاش حول مثل هذه القضايا، ونناقشها بكل صدق و إخلاص، ثم نخرج على الناس بما استقر عليه إجماعنا المؤسسي على البرهان العلمي، فليس لدينا ما نخفيه، و إن للقرآن ربا تكفل بحفظه، و إنما نحن عشاق العلم، ورواد الحقيقة.

إن هذه الأمور المثارة من قبل بعض الإخوة بعيدة جدا عن الهدف من إثارة الموضوع حيث كنا نأمل أن يعنى الإخوة الكرام باكتشاف عناصر التقاء القراءات و منهج المحدثين في التوثيق، لنبين بالبرهان العلمي أن القراءات القرآنية موثقة توثيقا علميا ينذر أن تجد نصا يمتاز بذلك. كما كان الهدف أن نبين أن المنظومة الإسلامية شاملة ومتكاملة، وهو عنصر قوة المنظومة الإسلامية في مختلف تجلياتها، إننا إذ نقوم بذلك نقدم الدليل العلمي على وثوقية النص القرآني لمن يحتاج لدليل، وتزكية لإيمان المؤمنين حيث يصبح إيمانهم مؤسسا على العلم و المعرفة، فذلك التحصين العقدي، وعمل العلماء في هذا الاتجاه صيانة للمبتدئين، ودعم للمؤمنين، ودفع للمبطلين، و قربة لله رب العالمين.

والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[26 Mar 2007, 12:07 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد

فضيلة الشيخ أحمد جزاك الله خيراً على هذا التدخل المبارك أسأل الله تعالى أن يحفظكم من كلّ مكروه وأن يوفقكم لما فيه الخير والصلاح

أبشّركم يا شيخنا أنّ الخلاف الذي وقع بيني وبين أخواني حفظهم الله تعالى هو خلاف في كيفية النطق ببعض حروف القرءان الكريم أو بصفة من صفات بعض الحروف ولا يمسّ ذلك قداسة القرءان لا من قريب ولا من بعيد بل هذا الخلاف يدلّ على عظمة القرءان العظيم أن نختلف في جزئياته وهذا النوع من الخلاف وقع فيه القدامى مع إجماعهم على تواتر القرءان وهذا يدلّ على حرص العلماء في حفظ القرءان والاعتناء به حتّى في جزئياته التي قد لا تمسّ قداسته وهذا شرف للأمّة الاسلامية.

وليس هناك من قال أنّ الخلاف في هذا النوع من المسائل الجزئية يشكك في القرءان نفسه ولو كان كذلك لأمسك القدامى عن الخوض في ذلك، فإذا اختلفنا في مسألة الضاد أو في مسألة الفرجة مثلاً هل تتغيّر بنية القرءان العظيم في كونه متواتر ومقطوع بصحته وخاصّة أنّ من العرب من كان يخلط بين الضاد والظاء وحتّى لوأبدلنا الضاد ظاءًً خالصة لا ينقص من قداسة القرءان شيء وإن كان ذلك خطاً لا يستهان به.

وهذا يقال في التحريرات أيضاً لأنّ المحررين مجمعون على تواتر ما في كتاب النشر جملة إلاّ أنّ حرصهم على عدم الخلط بين الروايات والطرق جعلهم يختلفون في بعض المسائل وهذا يدلّ على بلوغهم أعلى مراتب الحرص والاعتناك بالقرءان الكريم ولا يزيد ذلك إلاّ شرفاً للأمّة المحمدية. ولا شكّ أنّ المبالغة في الاعتناك أولى من التساهل.

والعلم عند الله تعالى

محمد يحيى شريف الجزائري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير