تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بين الكسر والضمّ وبين الياء والواو كما صرّح بذلك مكي القيسي وكما هو الحال في الحرف الممال الذي هو في منزلة بين الفتح والكسر وبين الألف والياء فهو خليط بين الطرفين. لذا قد سمّى بعض أهل اللغة هذا النوع من الإشمام إمالة كما قال السخاوي " وإنّما قيل لذلك: إمالة لأنّه قد دخله من الخلط والشوب ما دخل الإمالة ". أقول: وما ذهب إليه المتأخرون من ابتدائهم بالضمّ الخالص والانتهاء بالياء الخالصة لا يوافق نصوص القدامى لما سبق من البيان.

ثانياً: لوكان مذهب المتأخرين صحيحاً فما حمل القدامى على مقارنة هذا الإشمام بالإمالة وما هو وجه التقارب بينهما. قد يقول قائل لو كان الإشمام يقارب الإمالة في الحكم فلماذا لم تختص الإمالة بالأوائل كما اختصّ الإشمام بذلك؟ الجواب: إنّ الإمالة لا تختصّ بالأوائل فحسب بل تقع في أول الفعل نحو {رءا} و {رءا الشمس} وقد تكون في وسط الفعل لمن أمالة الهمزة مع الراء أو الهمزة فقط نحو {رءا كوكباً}. وقد تكون في آخر الكلمة وذلك في رؤوس الآي المعروفة أو في هاء التأنيث الممالة للكسائي عليه رحمة الله تعالى وغير ذلك بخلاف الإشمام فلا يختصّ إلاّ بالأوائل اعتباراً للأصل وهو الضمّ فيها.

ثالثاً: حروف االمدّ تابعة لما قبلها فإن كان المدّ مسبوقا بفتح فيكون ألفاً وإن كان مسبوقاً بكسر فيكون ياءاً وإن كان مسبوقاً بضمّ فيكون واواً وإن كان مسبوقاً بحركة بين الفتح والكسر فيكون ممالاً بين الألف والياء وإن كان مسبوقاً بحركة بين الكسر والضمّ وهو ما يسمى بالإشمام فيكون المدّ بين الياء والواو وهذا هو مراد القدمى بلا شكّ بتمثيلهم الإشمام بالإمالة إذ لو كان مذهب المتأخرين هو المراد فما علاقة الإشمام بالإمالة؟ ولا تعارض بين مذهب أهل الشام اليوم وبين تخصيص الإشمام بالأوائل لأنّ المدّ تابع لما قبله وهو أولّ الفعل.

رابعاً: ما ذهب إليه جمهور المتأخرين من الابتداء بالضمّ الخالص ثمّ تمحيض الياء بعدها هو مردود وضعيف عند القدامى لأنّه يستلزم النطق بياء بعد ضمّ وهو ممنوع عند العرب قال مكي القيسي " ... ألا ترى أنّ أوائل هذه الأفعال لو كانت مضمومة أو الضمّ أغلب عليها لانقلبت الياءات واوات. إذ ليس في كلام العرب ياء ساكنة قبلها ضمة. فلولا أنّ الحرف الأوّل مكسور ما ثبت لفظ الياء فيهنّ ويدلّ على ذلك أنّ بعض العرب يترك أوائل هذه الأفعال على ضمته التي وجبت له وهو فعل ما لم يسّم فاعله، وإذا فعل ذلك أتى بالواو في جميعها فقال (قول)، (وحول)، (وسوق) ونحوه .. " انظر الكشف (1/ 231 و232).

وقال الإمام الداني فيما نقله عنه السخاوي: " وزعم آخرون أنّ حقيقته: أن يضمّ أوّله ضمّاً مشبعاً، ثمّ يُؤتى بالياء الساكنة بعد تلك الضمة الخالصة، وهو باطل، لأنّ الضمة إذا أخلِصت ومطِّط اللفظ بها انقلبت الياء واواً، إذ لا تصحّ ياء بعد ضمّة، كما لا تصحّ الواو بعد كسرة."

خامساً: مذهب المتأخرين يوهم أنّ الضمة المبدوء بها هي ضمة مختلسة لأنّهم عبروا عن الإشمام أنّه يُبتدأ بأوّل الفعل بحركة تامّة مركبة من حركتين فجزء الضمّة مقدّم وهو الأقل ويليه جزء الكسرة وهو الأكثر. أقول: إن كان في الحركة التامة وهي حركة فاء الفعل مركبة من ضمّة ثمّ كسرة فلا شكّ أنّ زمن الضمّ يكون بمقدار جزء حركة أي بعض الحركة بمعنى حركة مختلسة وهو غير مستقيم لأنّ بعض الحركة قريب من السكون والسكون لا يُبتدأ به لذا كان العرب لا يبتدئون إلا بالحركة التامة ويجتنبون الابتداء ببعض الحركة، قال الإمام الداني رحمه الله: "وزعم آخرون من أهل الأداء أنّ حقيقة الإشمام في ذلك: أن يشمّ أوّله ضماً مختلساً، وهذا أيضاً باطل لأنّ ما يختلس من الحراكات ولا يتمّ الصوت به كهمزة بين بين وغيرها لا يقع أبداً أوّلاً، وذلك لقرب التضعيف والتوهين من الساكن المحض، وإنّما دخل الوهم على هؤلاء وعلى قوم من جهلة النحاة من أجل العبارة عنه بالإشمام، وقد ذكرت مراد القراء بهذه التسمية وغيرها والغرض بهذا الإشمام الذي هو حركة مركبة من حركتين ضمة وكسرة الدلالة على هاتين الحركتين في الأصل."

وعلى ما سبق من البيان يظهر جلياً أنّ ما ذهب إليه المتأخرون مخالف لما ذكره القدامى وإن قال به الجعبري ومن تبعه كالنويري والبنا وغيرهم من المتأخرين ولا يمكن تقديم كلام المتأخرين على ما صرّح به أبو علي الفارسي وابن غلبون والداني ومكي القيسي والقرطبي والسخاوي وأبو شامة وابن القاصح والمالقي والخراز وغيرهم ولا يمكن الحكم على ما ذهب إليه هؤلاء الجهابذة جميعاً أنّه قول مؤوّل لا تجوز القراءة به كما صرّح بذلك العلامة الصفاقسي والعلامة المارغني عليهما رحمة الله تعالى، ولو أثبتا بالأدلّة ما جنحا إليه لكان أسلم، وإن كان اعتمادهما على المشافهة فلهل يشكّ أحدنا أنّ أمثال الداني ومكي القيسي وابن غلبون وغيرهم خالفوا المشافهة وأخذوا بالقياس إذ الإشمام في نحو (قيل) و (سيء) قد تلقوه بكيفية وبهيئة معيّنة عن مشايخهم فحاشاهم أن يخالفوا المشافهة بمجرّد رأي محض. ولم أجد فيما اطلعت عليه من صرّح بمذهب المتأخرين واحداً من القدامى وأقصد بالقدامى أهل الأداء الذين هم من طبقة مكي القيسي والداني وما فوقهما. فعلى ما ذكرنا يمكن أن نقول أنّ ما عليه مشايخ الشام هو الأقرب إلى ما ذكره الإئمّة القدامى في كتبهم وهذا لا يعني ردّ غيره ولا أدّعي الكمال فيما أقول وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير