تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولاشك أنّ الذي يجتهد في المسألة دون أن يجمع النصوص والأقوال الواردة في الباب فإنّه سيجانب الصواب. ولا نصّ في علم القراءة إلاّ فيما نقله الأئمّة عن مشايخهم بالسند، ولأجل هذا فلا بدّ للمجتهد المتأهّل أن يجمع النصوص الواردة في الباب ثمّ يقارن مضمون تلك النصوص بما هو مقروء به اليوم فما وافق النصّ فهو مقطوع به وما خالف النصّ فإنّه يخرج من دائرة القطع إلى دائرة الظنّ والقرءان لا يثبت إلاّ بالقطع، فيطرح ما يفيد الظنّ ويتمسّك بما يفيد القطع فيكون بذلك جامعاً بين الرواية والدراية، فالرواية هو المشافهة من المشايخ الثقات والدراية هو العلم بما نصّ عليه الأئمّة عليهم رحمة الله وبالتالي فقد جمع بين خيرين عظيمين وهما التلقي من المشايخ وموافقة الأسلاف في آن واحد. ولا شك أنّ نصوص الأئمّة تفيد القطع فيما تواتر عندهم وتلقوه بالقبول لأنّ نصوصهم تعبّر عن الكيفية الصحيحة التي تلقوها عن مشايخهم، بل لا يصح أن نقول بتعارض المشافهة بالنص لأنّ النص منبعه مشافهة الأئمّة لمشايخهم فكأنّما نقارن مشافهة المتقدمين بمشافهة المتأخرين وشتان بين المنزلتين.

وقد يقول القائل علم القراءة ليس كالعلوم الأخرى لأنّه لا يؤخذ إلاّ بالمشافهة. أقول لو كانت المشافهة تكفي للحفاظ على النطق الصحيح فما الذي حمل المتقدمين على التدوين؟

قال الإمام بن سوار ت497 في كتابه المستنير في باب ماجاء في اتباع السنة في القراءة ": - وقد صنف أشياخنا رضي الله عنهم كتباً في اختلاف القراءة العشرة في الحروف، عارية من الآثار والسنن مما تدعو الحاجة إليها وما روى في ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين. فأحببت أن أجمع كتاباً أذكر فيه ما قرأت به على شيوخي الذين أدركتهم من القراءات تلاوة دون ما سمعت " ثمّ قال: " ........ إذ كان لا يعلم ذلك إلاّ بمعرفة علم العربية، ومعرفة مخارج الحروف، ليصحّ إدغام المتقارب فيما قاربه، وما يجوز إدغامه مما لا يجوز. فهذا مما لا يجب أن يسع القارئ جهله وإن قلّ. فإنّه يجمع بذلك أموراً:

منها: الدخول في بركة دعوة النبيّ صلى الله عليه وسلم لقوله: رحم الله امرأً أصلح من لسانه.

ومنها: الاقتداء بالسلف الصالحين والأئمّة المتقدّمين في قولهم أعربوا الكلام لتعربوا القرءان.

ومنها السلامة من الأمور الشنيعة والعيب الفظيع لقولهم: إنّ اللحن غمراً كغمر اللحم.

ومنها: مفارقة العامة المذمومين عند الخاصّة. ومنها المهارة في تلاوة القرءان رغبة فيما ضمنه النبيّ عليه الصلاة والسلام بها من رفيع الدرجة وعلوّ المنزلة بقوله: - الماهر بالقرءان مع السفرة الكرام البررة ..... ، ومنها الأمن من فاحش اللحن في الكلام .... "

ثمّ قال: وقد تصدّر في المساجد في زماننا هذا قوم قد خالطهم الكبر، وداخلهم العجب. منهم من يزعم أن لقيَ الشيوخ وقرأ عليهم، ومنهم من يفتخر بغير ذلك فيقول: ما قرأت على أحد منذ حفظت القرءان، آخر يقول لي اليوم ثلاثون سنة أقرئ، لا يعرف ألف الوصل من ألف القطع، ولا حرف مدّ من حرف قصر ولا يميّز بين – أرسلنا، وأسلنا، وألنّا – يتنطع بالرذالة ويفخر بالجهالة، قد رضي لنفسه بأدون منزلة." انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وقد اشتكى أبو عمرو الداني قلة المهرة من أهل الأداء في وقته فقال في مقدمة كتابه التحديد " أمّا بعد فقد حداني ما رأيته من إهمال قرّاء عصرنا ومقرئي دهرنا تجويد التلاوة وتحقيق القراءة ...... " التحديد ص66. وقال القرطبي (ت461) في كتابه الموضح " ولمّا رأيت من قرأة هذا الزمان وكثيراً من منتهيهم قد أغفلوا اصطلاح ألفاظهم من شوائب اللحن الخفي وأهملوا تصفيتها من كدره وتخليصها من درنه ..... " الموضح ص54.

وقال ابن الجزري: " وإني لما رأيت الهمم قد قصرت، ومعالم هذا العلم الشريف قد دثرت، وخلت من أئمة الآفاق، وأقويت من موفق يوقف على صحيح الاختلاف والاتفاق، وترك لذلك أكثر القراءات المشهورة، ونسي غالب الروايات الصحيحة المذكورة، حتى كاد الناس لم يثبتوا قرءاناً إلا ما في الشاطبية والتيسير، وكان من الواجب عليّ التعريف بصحيح القرءات ...... " النشر 1/ 54

وعلى ما سبق من هذه الأقوال يمكن أن نقول ما يلي:

أوّلاً: إنّ المشافهة قد اعترتها شيء من النقص بالإهمال والغفلة في وقت هؤلاء الجهابذة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير