تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والفرق بين العبارتين أنّ لفظ الأداء يطلق على كلّ ما ثبت بالمشافهة عن المشايخ بالسند المتصل، وإنّ لفظ النص يشمل قسمين:

الأوّل: ما ثبت بالرواية إلى قائله بالسند كما يفعل ابن مجاهد وابن غلبون والداني في جامع البيان وغيرهم في إثبات وجه لأحد القراء العشرة أو أحد رواتهم أو من كان دونهم في الطبقة، ولنقتصر على مثال واحد وهو قول أبي عمرو الداني في جامع البيان في باب زيادة التمكين لحروف المدّ واللين فقال رحمه الله تعالى " فحدثنا فارس بن أحمد حدثنا عبد الباقي بن الحسن، قال مذهب ابن مجاهد في قراءة أبي عمرو: أن يكون المدّ كله وسطاً في المتصل والمنفصل."

الثاني: أن يكون النص ثابت في الكتب المعتبرة، منقول في المصادر المعتمدة حتّى وإن كان منبعه اجتهادٌ وقياس محض فإنّه يصير من المنصوص ما دام قد نقله الأئمّة في كتبهم بل حتى إن كان مضمونه وجه ضعيف فإنّه لا يخرج من كونه نصّاً، فمثال ذلك ما ذكره ابن الجزري عن بعض من قال بترقيق الألف بعد الحروف المفخمة فقال عليه رحمة الله: " وأمّا نص بعض المتأخرين على ترقيقها بعد الحروف المفخمة فهو شيء وهم ولم يسبقه إليه أحد " النشر 1/ 215. الشاهد أنّ ابن الجزري أطلق على ذلك القول بأنّه نصّ مع أنّه قول محدث لم يسبق إليه أحد وهو مجرّد اجتهاد. ومن الأمثلة الضمّ في كلمة {ضعف} عند حفص رحمه الله تعالى حيث صرح بأنّه لم يقرأ بذلك عن عاصم مع ثبوت ذلك الوجه عنه عن عاصم أداءً ونُقل في المصادر التي نقلت روايته، ولا يزال القراء المسندون لرواية حفص عن عاصم يأخذون بوجه الضم. وكذلك وجه السكت بين الأنفال وبراءة حيث لم يرد نصّ في ذلك مع ثبوته في النشر، قال ابن الجزري: " فأمّا السكت بينهما فقد قرأت به لجماعتهم وليس هو منصوصاً. وحكى أبو عليّ البغدادي صاحب الروضة عن أبي الحسن الحمامي أنّه كان يأخذ بسكتة بينهما لحمزة وحده، فقال: وكان حمزة وخلف والأعمش يصلون السورة بالسورة إلاّ ما ذكره الحمامي عن حمزة أنّه سكت بين الأنفال والتوبة وعليه أعوّل انتهى. وإذا أخذ بوجه السكت عن حمزة فالأخذ به عن غيره أحرى." انتهى كلام صاحب النشر 1/ 269. أقول: الأخذ بوجه السكت بين الأنفال وبراءة لجميع القراء قياس على مذهب حمزة حيث مذهبه الوصل بين السورتين فإن ورد عنه السكت بينهما فيكون لغيره - أي للساكتين والفاصلين - من باب أولى. وكذلك وصل السورة بأوّلها كمن يكرر سورة الإخلاص، فإنّ الوصل يستلزم الإتيان بالبسملة قياساً، قال ابن الجزري: " فلم أجد فيه نصّاً والذي يظهر البسملة قطعاً، فإنّ السورة والحالة هذه مبتدأة كما لو وصلت الناس بالفاتحة. " انتهى النشر 1/ 270. ومسألة السكت على هاء {ماليه هلك} حيث إنّ الإظهار متواتر عند أهل الأداء إلاّ أنّه لا يمكن الإتيان به لثقله في النطق لأنّ الهاء مخرجها بعيد من أقصى الحلق والحرف كلّما بعُد مخرجه عن الفم كلما صعب وهذا إذا كان منفرداً عن نظيره، فما بالك إن كان متصلاً به كما في مثالنا؟ فهذه المشقة في النطق حملت العلماء على الأخذ بالقياس والاجتهاد درءاً لهذه المشقة فأوجبوا وجه السكت على الإظهار في {ماليه هلك}، فتلقاه أهل الأداء بالقبول ونقلوه في كتبهم وقرءوا وأقرءوا به، فأصبح هذا الوجه من الثابت نصاً وأداءاً، فثبوته نصاً لانتشاره في المصادر وثبوته أداءً أي ناتج عن إقراؤهم بهذا الوجه بعد أن تلقّوه بالقبول.

فنخلص مما سبق أنّ النصّ يشمل كلّ ما نُقله الأئمّة عن القراء أو رواتهم أو دونهم بالسند المتصل إليهم وكذا كلّ ما نُقلَ في المصادر المعتبرة حتّى ولو كان منبعه قياس واجتهاد بغضّ النظر في كون مضمونه معتبراً متلقًىً بالقبول أم ضعيف لا يُعملُ به.

هل يثبت الوجه أداءً من غير نص؟

الجواب: عندما نرجع إلى ما حوت عليه مصادر أهل الأداء نجد أنّ كلّ ما ثبت بالمشافهة عن المشايخ إلاّ وله نصّ يؤيّده وهذا الذي حمل إمام الفنّ ابن الجزري على نقل أسماء المصادر في النشر وعزو كلّ وجه إلى ناقله إلاّ في بعض المسائل التي اجتهد فيها رحمه الله تعالى مما لا نصّ فيه فإنّ ذلك يُعدّ نصاً بالنسبة لنا، ويستثنى من ذلك بعض المسائل التي ما ستطاع العلماء ضبطها جيّداً كمقدار زمن الغنة ومقدار زمن السكت وغير ذلك ممّا لا يضبط إلاّ بالمشافهة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير