تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهل يثبت الوجه نصاً من غير أن يكون ثابتاً أداءً.؟

الجواب: لا يثبت النصّ إلاّ إذا كان ثابتاً بالمشافهة عن المشايخ لأنّ سبب وجود النصّ هو الحفاظ على أداء النطق الصحيح للكلمات القرءانية والقراءات الثابتة. ولا يمكن المحافظة على شيء معدوم لا وجود له. ويستثنى من ذلك ما كان الخلاف فيه لفظيّ لا يترتّب عليه تغيير في الصوت فتتعدد النصوص اللفظية مع عدم تعدد الوجه أداءً، ففي لفظ {من مال} اختلف العلماء في الغنة هل هي غنة الميم فيكون الإدغام تاماً أم هي غنة النون فيكون الإدغام ناقصاً، فالنصوص انقسمت على نحو انقسام الخلاف اللفظيّ إلاّ أنّه لا يترتب على هذا الخلاف خلاف في أداء الهيئة.

ويمكن إدخال في هذا القسم ما تواتر في زمن من الأزمنة ثمّ انقطع سنده كالطرق التي توفّرت فيها الشروط الثلاثة ولم يجعلها ابن الجزري ضمن طرق النشر، فالنصّ موجود إلاّ أنّه لا يُقرأ بمضمونه لانقطاع سنده، وكذلك مسألة إظهار الميم الساكنة عند الباء حيث ذكر في النشر والطيبة والمقدمة إلاّ أنّ هذا الوجه لا يُقرأ به لاكتفاء أهل الأداء المتأخرين بوجه الإخفاء لقوّته قياساً، وتخفيفاً لكثرة وقوعه في القرءان إذ لو قرئ بالوجهين في جميع المواضع لشقّ ذلك عليهم.

أمّا الوجه الذي لم يثبت نصاً ولا أداءً فلا اعتبار له بأيّ حال كإدغام للام في النون في نحو جعلنا وأنزلنا، قال ابن الجزري: " ولم يرد نصّ ولا أداء وذلك نحو جعلنا وأنزلنا، وظللنا، وفضلنا وقال نعم." النشر 1/ 231.

ضابط التفريق بين النصوص المعتبرة والنصوص الغير المعتبرة.

الذي حملني على التفكير في هذا الموضوع منذ أكثر من عشر سنوات، هو مجالستي بأحد المشايخ الكبار في المدينة النبوية بغرض الاستفادة منه وذلك بطرحي عليه بعض الأسئلة، فكانت من ضمن تلك الأسئلة: هل يوجد دليل على تفخيم الغنة وترقيق راء {ونذر} فأجابني حفظه الله تعالى بأبيات من نظم لآلئ البيان لشيخه العلامة السمنودي المعاصر حفظه الله تعالى فوقع شئ في نفسي واستنكرت ذلك الاستدلال وقلت في نفسي وهل يستدل بأقوال المعاصرين في إثبات صحة الوجه؟ إن اعترض المحققون على قول الإمام الشاطبيّ رحمه الله تعالى حين قال " وبعضهم يؤاخذكم " أي أنّ بعض الرّواة عن ورش مَدَّ البدل في {يُؤاخذ} وهذا وَهْمٌ منه رحمه الله تعالى حيث نقل ابن الجزري الإجماع على قصره حيث قال " ... فإنّ رواة المدّ مجمعون على استثناء يواخذ فلا خلاف في قصره " (النشر 1/ 340). وقال الداني في الإيجاز " أجمع أهل الأداء على ترك زيادة التمكين للألف في قوله (لايواخذكم الله، ولا تواخذنا، ولو يواخذ الله) حيث وقع وكأنّ ذلك عندهم من واخذت غير مهموز "اهـ (انظر النجوم الطوالع ص56)، وإنكار ابن غلبون زيادة المدّ في البدل لورش لم يكن معتبراً عند أهل الأداء لمخالفته لما رووه وتلقوه رواية عن مشايخهم، وتجويز السخاوي الابتداء بالبسملة في أوّل براءة قياساً، وكذا من انفرد بترقيق الألف بعد حروف الاستعلاء،وترقيق راء {مريم} و {قرية}، وغير ذلك.

الشاهد من هذه الأمثلة أنّ أقوال هؤلاء الجهابذة لم تكن معتبرة عند ابن الجزري وعند من سبقه من المحققين لكونها خالفت المشهور وما استفاض من الأقوال لأنّ القراءة لا تثبت إلاّ إذا كانت مشهورة متلقاة بالقبول. فلا اعتبار إلاّ بما اشتهر ووافق نصوص الأئمّة، فلا ينظر في القائل من هو ولكن يُنظر في قوله هل هو مؤيّد بنصّ معتبر أم لا.؟

فالحاصل ممّا سبق أنّ المعتبر من النصوص هو ما كان مضمونه متلقى بالقبول مشهوراً عند العلماء بعضّ النظر عن القائل ولو كان من كبار الأئمّة. ويؤيد ذلك شرط ابن الجزري في كتابه النشر وهو ثبوت القراءة عن العدل الضابط عن مثله مع شهرة القراءة، فلا يكفي أن يكون النص منقولاً عن أحد هؤلاء الجهابدة بل المعتبر هو ما كان مضمون نصّهم مشهوراً متلقىً بالقبول، ويؤكد ذلك وجود طرق في جامع البيان للداني والتذكرة لابن غلبون وغيرهما التي ما أدخلها ابن الجزري ضمن طرق نشره لأنها لم توافق شرطه أو لم تبلع حد الشهرة المعتبر عنده مع أن أصحاب تلك النصوص من كبار أئمة هذا الفن.

ما هو الضابط في اشتهار الوجه وتلقيه بالقبول أو تواتره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير