تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قد يقول القائل، هناك بعض الأوجه التي تلقاها المتأخرون بالقبول ونصّوا عليها في كتبهم خلافاً للقدامى، فهل انتشار تلك الأوجه عندهم يكسب لها حجيّة معتبرة؟

للجواب على السؤال لا بدّ من تفصيل فأقول وبالله التوفيق:

قراءة القرءان سنّة متّبعة يأخذها الآخر عن الأوّل فالمتابعة تكون بالمشافهة وبموافقة نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا القرءان عضاً طرياً كما أنزل، ولا يمكن التثبّت من صحة الوجه أداءاً إلاّ بالنصّ الؤيّد له، لوقوع الاضطراب والخلاف في بعض المسائل الأدائية التي لا يمكن الفصل فيها إلاّ بالنصّ. إذن فاتباع الأئمة يكون بموافقة نصوصهم، لأنّ مخالفة أقوالهم لا يتناسب مع المتابعة. فإن كان كذلك فكيف يمكن للمتأخرين مخالفة القدامى؟ هل هناك حاجة أو ضرورة في ذلك؟ ونحن نعلم جميعاً أنّ القياس في القراءة لا يكون إلاّ في حالة غموض وجه الأداء أو عدم وجود النصّ. ولا يجنح إليه إلاّ ضرورة كما سنبيّنه في بابه إن شاء الله تعالى. أقول: فهل هناك ضرورة في مخالفة النصوص التي دوّنت من القرن الثالث إلى عصر ابن الجزري، لم يكفي جميع ما دُوّن في هذه الفترة حتّى يسعنا أن نأخذ بالقياس والرأي؟ ويزداد الأمر خطورة إذا كان ذلك الرأي يخالف صريح النصوص بل يخالف ما ثبت أداءً بلا منازع في طبقة من الطبقات.

وعلى هذا الأساس فإنّ الشهرة لا تتغيّر من زمن إلى زمن ومن جيل إلى جيل، والجيل الأخير لا يسعه إلاّ اتباع الجيل الأوّل لأنّ القراءة سنة متبعة. فإن تواتر الوجه عند القدامى فإنّه يبقى متواتراً إذا نُقل، وإن كان الوجه غير ثابت نصاً وأداءً فإنّه لا يمكن أن يثبت أو أن يتواتر في يوم من الأيام لأنّه يخالف أصل المتابعة. قال السيوطي في الإتقان: " المتواتر وهو ما نقله جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهاه ... " الإتقان ص77. أقول: يمكن أن نستخرج من هذا التعريف فائدتين:

الأولى: ما نقله جمع من أهل الأداء لا يمكن تواطؤهم على الكذب.

الثانية: أن تكون القراءة نقلت عن مثلهم في الجمع أي جمع عن جمع إلى منتهاه. فيخرج من ذلك من كان منبعه آحاد أو قياس أو ممن انفرد به البعض ثمّ انتشر بعد ذلك، فهذا لا يعدّ تواتراً لأنّه لم يتواتر في جميع الطبقات بل تواتر في طبقة من الطبقات بعد أن كان آحاداً أو قياساً أو من انفرادات البعض. قال الشوكاني في الشرط الرابع للتواتر: " وجود العدد المعتبر في كلّ الطبقات فيروي ذلك العدد عن مثله إلى أن يتصل بالمخبر عنه." اِرشاد الفحول ص48.

ما هو الإجماع المعتبر عند أئمّة القراءة؟

ما يقوله البعض من أنّ الإجماع يدخل فيه ما أجمع عليه القراء اليوم ولو خالف النصوص وإجماع القدامى. أقول: هذا الكلام فيه نظر لعدّة أسباب:

أوّلاً: إنّ الإجماع لا يتغيّر من زمن إلى زمن ولا ينعقد عدّة مرّات خاصّة في مجال التجويد والقراءات لضيق مجال الاجتهاد فيه.

ثانياً: لا شكّ أنّ إجماع القدامى أقوى من إجماع المتأخرين لأنّهم أعلم وأدرى من الخلف.

ثالثاً: مخالفة إجماع القدامى ينافي المتابعة، لا يمكننا الادعاء أنّ القراءة سنة متبعة وفي المقابل يُخالف إجماع القدامى.

رابعاً: نسخ الإجماع بإجماع آخر ممنوع عند الأصوليين مع اتساع مساحة القياس في الفقه، فما بالك بعلم القراءة التي مجال الاجتهاد فيها ضيّق جداً. قال الإمام أبي القاسم الغرناطي المالكي في كتابه تقريب الوصول إلى علم الأصول عند ذكره لموانع النسخ: " أن يكون - أي النسخ - في الكتاب والسنة، لأنّ الإجماع والقياس لا ينسخ واحد منهما ولا يُنسخ " ص127 تحقيق فضيلة الشيخ الدكتور محمد علي فركوس حفظه تالله تعالى. انظر إحكام الفصول للباجي ص 417، الإحكام للآمدي 2/ 243، العدة في أصول الفقه للقاضي أبي يعلى الفراء 2/ 826، 827. المحصول في علم الأصول للإمام فخر الدين الرازي 1/ 460,495,508, 519,531,536. وقال الزرقاني في كتابه مناهل العرفان في علوم القرءان (2/ 230): " جمهور الأصوليين على أنّ الإجماع لا يجوز أن يكون ناسخاً أو منسوخاً .... "

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير