تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومثال ذلك ما انفرد به السخاوي في جواز البسملة في أوّل براءة، فردّ على قوله ابن الجزري أنّه خرق للإجماع أي أجمع أهل الأداء في جميع الطبقات على منع البسملة في أوّل براءة فلا يمكن خرق إجماع بأيّ حال ولو كان من قبيل أمثال السخاوي عليه رحمة الله تعالى، وما سقط الإجماع بقولته لأنّ المعتبر هو ما أجمع عليه القدامى، ومن هم القدامى؟ هم أصحاب المصادر المعتمد عليها في نقل القرءان وقراءاته. أقول: إن كان قول السخاوي في هذه المسألة ما عطّل إجماع القدامى فما بالك بمن كان دونه في العلم أوبمن كان من المتأخرين عليه؟

هل كلّ ما يقوله العلماء يطلق عليه لفظ النصّ؟

النصّ كل كلام نُقل عن الأئمة المعتبرين الذين نقلوا لنا القرءان وعرفوا بالإمامة في هذا العلم رواية ودراية واعتُمد على أقوالهم وشهد لهم أهل العلم بالإمامة قال ابن الجزري: " ... وهي - أي طرق النشر - أصح ما يوجد اليوم في الدنيا وأعلاه ولم ندكر فيها إلا من ثبت عندنا وعند من تقدمنا من أئمتنا عدالته" النشر (1/ 192).

ولا يمكن حصر ما يمكن تسميته بالنصّ لصعوبة ذلك لأنّه يحتاج إلى استقراء كبير. إلاّ أنّه يمكن حصره على التقريب بما يلي:

أوّلاً: كلّ ما دُِكر في النشر سواء من أقوال ابن الجزري أو أقوال الأئمّة الذين نقل عنهم. فنقله لأقاويلهم دلالة على إمامتهم في هذا العلم ولا ننسى أنّه نقل أصحّ ما يوجد في الدنيا من الطرق والأوجه ولا يتحقق ذلك إلا إذا كان المنقول عنهم أئمّة يُعتمد عليهم.

ثانياً: أصحاب المصادر التي اعتمد عليها ابن الجزري سواء كانت في القراءات أو التجويد.

ثالثاً: أقوال أئمّة اللغة الذين كانوا العمدة في مسائل التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بعلم التجويد والقراءات كأقوال سيبويه والخليل ابن أحمد وابن جنّي في مسائل مخارج الحروف والصفات وغيرها.

أمّا المتأخرون على ابن الجزري رحمه الله تعالى فهم متبعون ويعتمدون على كتاب النشر ومصادره ولا يمكن بأيّ حال أن يخالفوا ما ورد في النشر ومصادره وإن كان المحررون استدركوا على النشر في بعض المسائل إلاّ أنّ استدراكهم كان على أساس اعتمادهم على أصول النشر ومصادره والخلاف في ذلك ما خرج عن المصادر. ولا شك أنّ أقوالهم لها وزن معتبر في شرح نصوص النشر والجزرية والطيّبة والمسائل التحريرية. فجل العلماء الذين شرحوا الجزرية اعتمدوا على شرح ابن الناظم مثلاً، ولا شك أنّ الذين أخذوا العلم مباشرة من ابن الجزري هم أعلم وأدرى به من غيرهم، فيكون الاعتماد على أقوالهم من باب فهم كتب ابن الجزري ومصادرها وليس من باب الاعتماد المحض على أقوالهم لأنّ أقوالهم لا تخرج عن المصادر المذكورة فيكون الاعتماد على المصادر نفسها أولى من الاعتماد على أقوال الشراح لها.

وجوب إعمال النص وعدم إهماله:

المتأمل في كتاب النشر لابن الجزري وغيره من كتب الأئمة عليهم رحمة الله، يجد أنهم كانوا يعتمدون على نصوص من سبقهم من أهل العلم بنقلها في كتبهم، يعتمدون عليها في إثبات صحة رواياتهم، فابن مجاهد في كتابه السبعة كان كثيراً ما ينقل النصوص بأسانيدها إلى القراء السبعة أو رواتهم أو من كان دونهم في الطبقة معتمداً على مضمونها ومقتضاها، وهذه النصوص تبناها الأئمة من بعده كابن غلبون، وأبي عمرو الداني، وغيرهما، وهؤلاء بدورهم جمعوا ما وصلهم من القراءات معتمدين على ما تلقوه عن مشايخهم وما رووه من نصوص إلى من سبقهم من أهل العلم فتركوا بدورهم تراثاً للمتأخرين كابن الجزري الذي لا يشك أحدنا أنه اعتمد كل الاعتماد على هذا التراث العظيم وما أهمل شيئا مما كان داخلاً في شروطه ومجاله الذي ألزم به نفسه في كتابه النشر. وسبب ذلك، الأمانة العلمية لأن الله تعالى أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب ليبيّننه للناس ولا يكتمونه. ومن ادعى أن الأئمة قد أهملوا شيئا ولو يسيراً من تراث سابقيهم من أهل العلم فهو كتمان للعلم وخيانة. وقراءة القرءان لا تؤخد إلا بالمتابعة لأنها سنة متبعة ومن أهمل نصاً من النصوص المعتبرة فقد أهمل جانباً من هدا التراث و خان هذه المتابعة التي كلّف الله بها أهل العلم، فإهمالهم جزءاً من هذا التراث سيجعل الثغرة يملأها قياس واجتهاد وبالتالي زيغ عن الحق وإلغاء للمقتضى الصحيح للنص المهمل.

إعمال النصوص وعدم إهمالها من أهم القواعد التي يرتكز عليها علم الشريعة وهي من أمهات القواعد الفقهية، فالقاعدة الثامنة عشرة بعد الخمسمائة من موسوعة القواعد الفقهية لأبي الحارث العزّي (1/ 379) تقول: " أولاً: لفظ ورود القاعدة: إعمال الكلام أولى من إهماله. ثانياً: معنى هذه القاعدة ومدلولها: إعطاوه حكماً مفيداً حسب مقتضاه اللغوي، وإهمال الكلام عدم ترتب ثمرة عملية عليه بإلغاء مقتضاه ومضمونه " انتهى.

أقول: لا شك أن لفظ النص يدخل في مضمون لفظ الكلام، وإن كانت هذه القاعدة قاعدة فقهية إلا أنها تنطبق على كل علم يعتمد على النص، حيث إن إهمال النص الذي يرتكز عليه ذلك العلم يؤدي إلى الزيغ عن الجادة.

الخلاصة: يمكننا اختصار ما سبق من التوضيح فيما يلي:

- النص هو الكلام الصريح المنقول عن الأئمة المعتبرين الذين اعتُمد عليهم في نقل القرءان وقراءاته. وهو إما أن يكون نصاًً مرفوعاً إلى صاحبه أو يكون قياساً منقولاً في أمهات الكتب.

- المعتبر من النصوص هو ما كان مضمونه صحيحاً متلقى بالقبول

- التواتر لا بد أن يكونا في جميع الطبقات. وكذلك الشهرة إلا أنها قد تنشأ من القياس المعتبر الذي ما خرج عن ضوابطه وحدوده، وتلقاه أهل الأداء بالقبول.

- الإجماع لا يتغير من زمن إلى زمن ولا يجوز أن يكون ناسخاً أو منسوخاً

- وجوب إعمال النص وعدم إهماله.

وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

محمد يحيى شريف الجزائري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير