تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثالثاً: القياس لا يُجنح إليه إلاّ ضرورة بحيث ليس هناك حلّ آخر سوى ذلك قال مكّي في كلامه السابق " ... لكن قسته على ا قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك " ومثاله إظهارهاء {ماليه هلك} حيث أنّ الإظهار واردٌ ولكنه صعب لخفاء الهاء وبُعد مخرجها وتزداد المشقّة إذا تكررت كما في المثال، لذا أجاز العلماء ضرورة السكت عند الإظهار وكذا قياسها على {كتابيه اني} لمن قرأ بالنقل لأنّ الهاء في {ماليه} و {كتابيه} هي هاء السكت فمن حقق الهاء في {كتابيه انّي} أظهرها في {ماليه هلك} ومن قرأ بالنقل في {كتابيه انّي} أدغم في {ماليه هلك} ومن تأمّل في قياس المأخوذ به في هتين الكلمتين يجد أنّه لم يخالف نصاً ولا أداءاً حيث أنّ الإدغام والإظهار في {ماليه هلك} ثابت نصاً وأداءاً وكذا النقل وعدمه في {كتابه انّي} وإنّما القياس تمثّل في السكت عند إدغام {ماليه هلك} والعلاقة بين {ماليه} و {كتابيه} التي تتمثلّ في لزوم الإظهار مع عدم النقل والإدغام مع النقل.

رابعاً: كلّ ما ذكرناه يدلّ أنّ القدامى كانوا لا يأخذون بالقياس إلاّ ضرورة عند عدم النص وغموض وجه الأداء فكانوا يحتاطون لذلك أشدّ الاحتياط لأجل ذلك وضعوا حدوداً لا يحوز تعدّيها لأيّ سبب بخلاف ما نشاهده اليوم من الخلاف في المسائل التي منشؤها ومنبعها اجتهاد وقياس محض وتزداد الخطورة أنّها تقدّم على النصوص والمشافهة المسندة.

خامساً: مسائل القياس الواردة ِ عند القدامى قليلةٌ جداً كما قال ابن الجزري رحمه الله " ... ونحو ذلك مما لا يخالف نصاً ولا يردّ إجماعاً ولا أصلاً مع أنّه قليلٌ جداً كما ستراه مبيّناً بعدُ إن شاء الله تعالى ... " وقول مكّي القيسي رحمه الله " وقسمٌ لم أقرأ به ولا وجدتّه في الكتب لكن قسته على ما قرأت به إذ لا يمكن فيه إلاّ ذلك عند عدم الرواية في النقل والنصّ وهو الأقل ....... ".انتهى كلامه رحمه الله النشر 1/ 18. أقول إن كانت المسائل القياسية قليلة ومحدودة عند القدامى فلا يجوز اليوم أن نأخذ بالقياس إلاّ الذي أُخذَ به عند أئمة هذا الفنّ المعتبرين وتلقّوه بالقبول

أسباب الأخذ بالقياس:

قال ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى: " أمّا إذا كان - أي القياس - على إجماع انعقد أو عن أصل يُعتمد فيصير إليه عند عدم النصّ وغموض وجه الأداء فإنّه مما يسوّغ قبوله ولا يجوز ردّه لا سيما فيما تدعو إليه الضرورة وتمسّ الحاجة مما يقوي وجه الترجيح ويعيّن على قوّة التصحيح" النشر 1/ 17.

من خلال كلام ابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يمكن أن نستخرج الأسباب التي حملت القدامى على الأخذ بالقياس وهي:

أوّلاً: عدم وجود نصّ: والنصّ هو ما نُقل بالإسناد عن الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى لإثبات حكم أو وجه من الأوجه الأدائية وهذا ما نجده في الكثير من مصادر التجويد والقراءات كجامع البيان للداني وغيره حيث ينقلون النصوص بالإسناد إلى القراء أو إلى رواتهم أو إلى من دونهم من أئمّة أهل الأداء كابن مجاهد وغيره. مثاله: قال الداني في جامع البيان ص288: "وروى أبو بكر الوليّ عن أحمد بن حميد عن عمرو، وعن الأشناني عن عبيد عن حفص بالإظهار - أي {يلهث ذلك} -، وحدثني عبد الله بن محمد، قال: حدثني حدثني عبيد الله بن أحمد البغدادي، قال أنا أبو الحسين بن بويان، قال: حدثنا الحسن بن علي الهذيل، قال حدثنا أبو عون عن الحلواني عن قالون {يلهث ذلك} مظهر".

إنّ أهل الأداء كانوا يستدلّول على كلّ ما تلقوه عن مشايخهم بنصّ معتبر ينبني عليه ذلك التلقي، ومن اطلع على كتاب جامع البيان للداني والنشر لابن الجزري وغيرها من الكتب الغير المختصرة، يدرك ذلك إدراكاً جلياً، وهذا الذي حمل الداني وغيره على نقل النصوص بالأسانيد، وحمل ابن الجزريّ على نقل المصادر التي روى منها القراءات، وحمل أهل الأداء على استعمال القياس فيما لا نصّ فيه لأنّ القراءة عندهم لا بدّ أن تنبني على أصول معتبرة تقاس عليها بقية الأوجه التي لم تثبت بالنصّ، وذلك لوجود الكثير من الأوجه الأدائية التي تفتقر إلى نصّ، لذا فرّق أهل الأداء بين الثابت بالنصّ والثابت بالأداء، مثال ذلك مسألة إثبات حرف المدّ وعدمه قبل الهمزة الساقطة في نحو {السماء أن نقع} لمن أسقط الهمزة الأولى، قال أبو عمرو الداني في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير