تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من اطلع على كتاب النشر لابن الجزريّ عليه رحمة الله تعالى يدرك أنّ صاحبه متّبع لسلفه ولأئمّة الأداء المتقدّمين عليهم رحمة الله تعالى، وقّافاً على أقوالهم لا سيما فيما أجمعوا عليه وتواترعندهم واستفاض وانتشر، والقطع حاصل بجميع ذلك كما ذكر في كتابه منجد المقرئين، وقد ألّف كتابه النشر على هذا الشرط وهو أن تثبت القراءة بالسند المتصل مع عدالة الرواة وشهرة القراءة. فاستبعد كلّ الأوجه التي خرجت عن هذا الشرط وهو ما انفرد به البعض وشذّ به عن الجماعة. فقام بعزو الأوجه المنقولة إلى مصادرها ورواتها وحصر تلك المصادر والطرق التي انحدرت ونشأت منها، ثمّ قام بعملية التنقيح وغربلة ما تضمنته تلك المصادر بإخراج كلّ ما لم يوافق الشرط الذي ألزم به نفسه في كتابه النشر.

ومعظم المصادر التي اعتمد عليها هي المصادر الأولى التي دوّنت في القراءات وهي تبدأ من القرن الرابع إلى القرن السادس في الجملة. فالقرن الرابع هو عصر ابن مجاهد صاحب كتاب السبعة وابن غلبون صاحب الإرشاد وابنه صاحب التذكرة وغيرهم، وفي القرن الخامس ظهرت أكثر المصادر إذ هو العصر الذي ازدهر فيه التدوين وبلغ ذروته، وفي القرن السادس وما بعده نجد أنّ أكثر المؤلّفات تعتمد على كتب القرن الرابع والخامس ككتاب الإقناع الذي مصدره التيسير والتبصرة، و الشاطبيّة التي مصدرها بالدرجة الأولى كتاب التيسير، وكتاب الكنز لعبد المؤمن الواسطي وغير ذلك.

ولنضرب مثالاً في التنقيحات التي قام بها محقّق الفنّ: قول الشاطبيّ عليه رحمة الله تعالى {وبعضهم يؤاخذكم} أي بعض الرواة عن الأزرق رووا التمكين في {يؤاخذ} وما تصرّف منه. فقد اعترض محقّق الفنّ على هذا التمكين وبيّن أنّه مخالف للمتقدّمين قاطبة فأهمله واستبعده لخروجه عن الشرط الذي ألزم به نفسه مع أنّ الإمام الشاطبيّ قد قرأ به حيث ذكره في قصيدته، وقصيدته من المصادر المعتبرة، وصاحب القصيدة إمام وقطب زمانه وسنده صحيح لا شكّ فيه إلاّ أنّ الوجه الذي ذكره غير مشهور ومستفاض. فقول الشاطبيّ: {وبعضهم يؤاخذكم} غير معتبر مع أنّ قائله من الأئمّة المعتبرين ومنقول في مصدر من المصادر المعتبرة.

قد يقول القائل: كيف ببعض الأوجه التي لم تكن مشهورة ولا موجودة في الماضي انتشرت واستفاضت عند المتأخّرين، فهلّ هذه الشهرة معتبرة؟

الجواب: الشهرة المعتبرة هو ما اشتهر عند القدامى ونُقل في كتبهم وثبت رواية وأداءً عنهم، فقد أهمل المحققون الأوجه التي ترتّبت عن الأربع الزهر مع أنّها اشتهرت عند القدامى وتلقّوها أداءً عن مشايخهم إلاّ أنّ هذه الشهرة نشأت عن أمر دخيل على الرواية وهو الاستحباب من بعض المشايخ. نستفيد من هذه الجزئية أنّ الوجه إذا انتشر من غير ثبوت الرواية فإنّها خاضّعة للنقد والاعتراض، وسبب ذلك أنّ هذه الشهرة نشأت عن رأي واجتهاد وليس عن أثر ونقل ورواية وأنّها لم تشتهر من جيل إلى جيل بداية وإنّما هو اشتهار مُحدث لا سلف له. لأجل هذا أهمل المحققون هذه الأوجه وهذا الإهمال يردّ بشدّة على من جعل العبرة فيما اشتهر عند القراء في كلّ زمان دون النظر في ثبوته رواية أم لا.

قد يقول القائل ما المقصود بالرواية عند أهل الأداء؟ الكثير من المحققين المعاصرين يعتبرون أنّ الرواية هو ما يُتلقّى من المشايخ بالإسناد، وهذا غير صحيح لأنّ أوجه الأربع الزهر أخذت بالأداء عن المشايخ وهي ضعيفة من جهة الرواية وكذلك تمكين مدّ البدل في {يؤاخذ} قد قرأ به إمامنا الشاطبيّ مع أنّه لم يثبت رواية. وهذا يقال في الكثير من الأوجه التي ثبتت أداءً من غير رواية.

قد يقول القائل فما المراد بالرواية إذن: الذي يظهر والله أعلم أنّ الرواية هو أن يثبت الوجه بالنصّ والأداء مع الإسناد، فلا يُعقل ثبوت النصّ من غير الأداء لأنّه إن وُجد فلأجل كونه قُرئ به فيكون ثابتاً من جهة الأداء بالضرورة. وقد يدخل في إطار الرواية: الأداء المجمع عليه أو المشهور الذي لم يثبت بالنصّ كما في إدغام {قال رجلان} و {قال رجل} فلا نصّ فيه ولكنّه ثابت بالأداء المجمع عليه لذا ألحقه الداني بإدغام {قال ربّ} قياساً، وهذا يقال في إمالة {البارئ} بالنسبة ل {بارئكم}، فقويَ الأداء بالقياس ليقوم القياس مقام النصّ. السؤال: لو كان الأداء المجمع عليه يدخل في إطار الرواية

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير