وهكذا يقال في كل تلامذة ابن الجزري ممن أجازهم، فلا ينبغي التسرع في إنكار القراءة الكاملة، أو الحكم على سند بالانقطاع فمعظم تلك الاسانيد نقلت على سبيل الاختصار وفي أصلها كانت على سبيل المتابعة، كذلك مع إحسان الظن بالعلماء في تحريهم الصواب، واليقين بأن فعلهم لا يخالف قولهم، وما ضربنا عليه الأمثلة والبراهين الواضحة أعلاه تؤكد صحة ما نسب إليهم. وإلا صارت تلك الأسانيد عبثا ننزه أنفسنا وعلماءنا عنه.
ولا ينبغي أن ننسى بحر العلم الملازم لابن الجزري من أتم على الإمام القراءة بدون أدنى شك، بل ونظم القراءات العشر الكبرى لابن الجزري وكان مختصا بتعليم المبتدئين قبل قراءتهم على الإمام، ألا وهو طاهر بن عربشاه وقد أفادت سلمى بنت الإمام عن مكانة هذا العلامة ولولاها لما سمعنا عنه ولا عرفناه إلا من خلال منظومته الطاهرية التي وصلتنا نسخه اليوم
والخلاصة:
حتى الآن هناك أربعة على الأقل من الذين تنتهي إليهم الأسانيد ترجح عرضهم القراءات كاملة على الإمام ابن الجزري. أحدهم تصريحا لا ريب فيه ألا وهو أحمد بن أسد الأميوطي وهو شيخ عبد الحق السنباطي الجد وعمر قاسم النشار والقسطلاني والسمديسي. ويشبهه أحمد الكيلاني والآخران قاسم المنشاوي والطباطبي.
ثم من البقية ثبت عندي أن اثنان على الأقل قرءا على من قرأ على ابن الجزري العشر ثم كانت إجازة ابن الجزري شهادة فوق شهادة. ولجلالة ابن الجزري كان يكتفى بإجازته عن الفرع الأول.
ومثاله جعفر بن إبراهيم السنهوري ومحمد النويري شارح الطيبة والدرة وهو قد قرأ شيئا قليلا من القراءات على ابن الجزري وأجازه. لكن هذا لم يأت من فراغ فهو قد قرأ قبل قدومه على الإمام على شيخ بلده علي بن محمد ابن يفتح الله القرشي المالكي الذي قرأ القراءات وأتقنها على ابن الجزري ثم تفرغ لتعليم أبناء بلده وتخرج به جمع منهم النويري
===============================
5 - تواتر النشر في عصر ابن الجزري وإذعان أهل عصره للنشر وإقبالهم عليه وزهدهم فيما سواه
بل إن قصائد ابن الجزري حازت قبول مشايخه حتى حفظ بعضهم بعض قصائده كما فعلوا بالدرة (الضوء اللامع 9/ 255) بل إن القباقبي وهو من طبقة ابن الجزري نظم في القراءات العشر والأربعة الزائدة منظومة رائقة في 1509 بيت وشرحها في إيضاح الكنوز كما صرح في مقدمته، وفيها يقول: أما العشر فمن تقريب النشر للشيخ الإمام الأوحد والصدر الأمجد آخر مجتهدي القراء المحققين شمس الملة والدين محمد بن محمد بن محمد الجزري الدمشقي بلدا تغمده الله تعالى برحمته أطاب له في جنات النعيم مرقدا.
ص 62 من مقدمة إيضاح الرموز.
وهذا محمول على الإجازة من الشيخ بالقراءة أو بالنشر الإجازة العامة أو الخاصة، أو أنه لما نقلت بالتواتر في ذلك العصر وحينئذ لا يحتاج لإسناد كما لمن كان أهلا.
وقد استظهر السيوطي نحو ذلك من عدم اشتراط الإجازة فيما هو محفوظ متلقى متداول، مأمون أن يدخل فيه ما ليس منه. ذكر ذلك في أواخر النوع الرابع والثلاثين من الاتقان، وإن كنت لا أميل لهذا الرأي.
===========================================
6 - ضرب الأمثلة لبعض الأسانيد المتصلة بالنشر قراءة بالعشر الكبرى
مثال لسند متصل بالقراءات العشر الكبرى قراءة جيلا بعد جيل:
إبراهيم العبيدي (صاحب التحارير المنتخبة للطيبة) عن الأجهوري عن أحمد البقري عن محمد البقري عن عبد الرحمن اليمني عن أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي عن أبيه عن جده عن الأميوطي عن ابن الجزري
(ح) أحمد بن أحمد بن عبد الحق عن شحاذة اليمني عن محمد بن سالم الطبلاوي عن شيخ الإسلام زكريا
(وهو اختصر تقريب النشر)
وهو عن الأميوطي وهو عن ابن الجزري
أو هو عن طاهر النويري (قراءة للعشر الكبرى) وهو عن ابن يفتح الله وغيره عن ابن الجزري
أو هو عن السنهوري عن محمد النويري عن ابن يفتح الله عن ابن الجزري.
وللأجهوري أسانيد كثيرة أخرى في القرآن لكن لا ندري إن كانت في كل القراءات فتراجم بعضهم شحيحة
فهو عن مصطفى بن كمال الصديقي عن عبد الغني النابلسي عن محمد الغزي عن محمود الببلوني عن إبراهيم العمادي عن القسطلاني عن الأميوطي (ختم عليه العشر الكبرى يقينا) وهو عن ابن الجزري (وختم عليه العشر الكبرى)
هذا وللقسطلاني طريق آخر عن صالح اليمني لكنه اشتهر بإقراء السبع في اليمن. (كما في الكواكب)
أو العبيدي عن محمد السمنودي (شارح الطيبة) وله مشايخ كثر منهم علي الرميلي وهو عن محمد بن عمر البقري عن عبد الرحمن بن شحاذة عن علي بن غانم عن محمد بن سالم الطبلاوي عن شيخ الإسلام زكريا
أو العبيدي عن علي البدري عن أحمد بن عمر الإسقاطي عن البنا الدمياطي (صاحب إتحاف فضلاء البشر وهو تلخيص للنشر) عن علي الشبرملسي عن محمد الشوبري عن منصور الطبلاوي عن محمد بن سالم الطبلاوي عن شيخ الإسلام
هذا وتوجد أسانيد بالعشر الكبرى من غير طريق العبيدي في بلاد الشام وتركيا تمر بأعلام القراءات ومشايخ القراء في تركيا تنتهي إلى المزاحي والمنصوري عن الشبرمليس وهو ومحمد البقري كلاهما عن عبد الرحمن بن شحاذة على التفصيل السابق لابن الجزري
==========================================
7 - خاتمة
أ - فيما سبق دلالة الواضحة على أن القراءات العشر الكبرى منقولة إلينا بالتواتر
ب - قصور بعض الأسانيد إنما كان على سبيل الاختصار، وطلب العلو
ج – ما لم ينقل لنا من الأسانيد أكثر بكثير مما نقل
د - المعتمد عند علماء القراءات عدم الإجازة بغير قراءة كاملة إلا على سبيل المتابعة لمن سبق له التلقي الكامل.
هـ - لا خلاف بين أهل العلم بتواتر كتاب النشر ككتاب ألفه الإمام بمحتواه العام الذي بين أيدينا اليوم.
وأخيرا فالتطلع أن يكون هذا البحث بداية تقصي أعمق بما يفيد المهتمين بعلم القراءات القرآنية المتواترة. والخوض في كتب التراجم للخروج بما يثري الموضوع، ويكشف جوانب العظمة في حفظ الله تعالى لكتابه العظيم.
وصلى الله على سيدنا وشفيعنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه الفقير إلى رحمة ربه أنمار محمد أنعم ناصر المكي الشافعي
آخر ربيع الأنوار عام 1428 من هجرة سيد المصطفين الأخيار.
¥