وسميته "التقريب" كي قربة به ... أنال مع الآباء في جنة العلا
فيا رب انفع قارئيه وناظرا ... وما معه نفعا مبينا فيعقلا
وختم منظومته بقوله:
وفي ضفر تمامه عام تسعة ... وتسعين بعد الثمانمائة ولا
ثلاثمائة واثنان أبياته بدت ... مهذبة التوجيه و الحكم العلا
فأحمد ربي ثم أشكره على ... تمام الذي رمناه تعريفاً أولا
وأسأله غفران وزري كله ... كذا ذنب أشياخي والأباء أشملا
إننا مع الأسف لا نعرف شيئا عن مؤلفها إلا ما ذكره في المنظومة.
ولنواصل حديثنا عن بقية المؤلفات التي تعهدنا باستعراضها، ومن بينها كتاب "الطراز في شرح ضبط الخراز" للحافظ الشهير أبي عبد الله محمد بن عبد الجليل التنسي التلمساني (المتوفي سنة 899هـ وقد أصدر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف طبعة لهذا الكتاب دراسة وتحقيق الدكتور / أحمد بن أحمد شرشال).
شرح به منظومة أبي عبد الله الشريشي التي استهلها بقوله:
هذا تمام نظم رسم الخط ... وها أنا اتبعه بالضبط
كي ما يكون جامعا مفيداً ... على الذي ألفيته معهوداً
قال التنسي في شرحه: ((وبعد فلما رأيت من تكلم على ضبط الأستاذ أبي عبد الله الشريشي الشهير بالخراز وجدتهم بين مختصر اختصارا مخلا، ومطول تطويلا مملا، فتاقت نفسي إلى أن أضع عليه شرحا متوسطا يكون أبسط لقارئيه وأقرب لفهم طالبيه فشرعت فيه مستعينا بالله تعالى وسميته "بالطراز في شرح ضبط الخراز))
ثم ابتدأ بشرح أول البيت، وهو: ((هذا تمام نظم رسم الخط)) فقال: ((وقوله رسم الخط، اعلم أن الخط هنا هو واقع على المخطوط التي هي المصاحف، وهي يتكلم عليها بوجهين أحدهما يرجع إلى بيان الزائد والناقص وهو المسمى بعلم الرسم، وفيه نظم المؤلف ما تقدم، والوجه الثاني ما يرجع إلى علامة الحركة والسكون والشدّ والمدّ والساقط والزائد وهو المسمى بعلم الضبط، وفيه نظم المؤلف هذا الذي تكلم عليه الخ…)).
والحافظ التنسي مشهور، إذ كان من أبرز علماء القرن التاسع بتلمسان، وله تآليف عديدة من أهمها وأشهرها كتاب "الدر والعقيان في تاريخ ملوك بني زيان"
و"الجواب المطول في قضية يهود تهوده" كما حظي الإمام التنسي أخيراً بدراسة قيمة ضمنها الأخ الدكتور محمود بوعياد مدير المكتبة الوطنية بالجزائر، أطروحته التي نال بها الدكتورة، ولم يخل تأليف من تآليف التراجم بالمغرب العربي من إثبات ترجمته، كـ"ذيل الديباج" لأحمد بابا التنبكتي و"البستان" لابن مريم و"دوحة الناشر" لابن عسكر…الخ.
أما تأليفه المذكور في فن القراءات فهو متداول عند المقرئين ببلاد المغرب العربي، وبلغنا أنه طبع بالمطبعة الحجرية، إلا أننا لم نطلع عليه، قبل أن نتعرض لبعض تأليف المتأخرين أي في القرنين الثاني والثالث عشر التي نسج عليها العنكبوت خيوطه، وهي في حكم المفقود نتحدث عن عالمين شهيرين لكل منهما عدة تأليف في طليعتها تفسير القرآن، الأول منهما عالم الجزائر و مسندها ودفينها الشيخ عبد الرحمن الثعالبي وثانيهما محمد بن علي الخروبي. فتفسير الثعالبي نال شهرة في الجزائر شمالها وجنوبها وحظي بالطبع إلا أن طبعته نفذت منذ زمان، وقد عثرنا على نسخة من هذا التفسير أي "الجواهر الحسان في تفسير القرآن" منذ سنوات قليلة بمكتبة الجامع الجديد المعروف بالجامع الحنفي، لفت انتباهي إليها استجازة صاحب النسخة وفي أسفلها إجازتان بخط المؤلف الشيخ عبد الرحمن الثعالبي يرجع عهدهما إلى حوالي ثلاثين سنة قبل وفاة المؤلف، وأهم ما في هذه الوثيقة ذكر المستجاز طريقة نشر تأليف الثعالبي خصوصا في التفسير، وهذا نص ما كتبه المستجاز بخطه على ظهر النسخة المذكورة من الجواهر الحسان فقال: ((قرأت على الشيخ العالم المتفنن المحدث الزاهد سيدي محمد بن الشيخ الصالح الزاهد سيدي مخلوف نفعني الله بجميعهم وأعاد علي من بركاتهم، ختمت عليه من تأليفه النفيسة وتصانيفه الرفيعة التي أقام الله بها الدين وأوضح بها السبيل للسالكين، قصد بذلك وجه الله فبلغه من ذلك مناه، وأظهر صدق نيته [كلمات ممحوة في الأصل] عادة الله في أهل العلم المصنفين أن تظهر تصانيفهم بعد وفاتهم على حسب الميراث، وأن في شيخنا هذا وفي تأليفه لسرا بديعا وأمرا رفيعا، لقد ظهرت تأليفه في حياته وسارت بها الركبان في الآفاق مع وجوده، وما ذلك إلا لسر أودعه الله فيه ولم يطلع عليه أحد من خلقه، مع صدق نيته وصدق
¥