تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال ابن الجزريّ: " ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمم بعد أمم، عرفت طبقاتهم، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف، وقلَّ الضبط، واتسع الخرق، وكاد الباطل يلتبس بالحق، فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها .. " (النشر 1/ 8).

أشار ابن الجزري عليه رحمة الله إلى أنّ الرواة على صنفين صنف جمع بين الإتقان والرواية والدراية وذلك عند قوله:" فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية"، وصنف اقتصر على وصف من هذه الأوصاف الثلاثة: إمّا بالإتقان، وإمّا بالرواية وإمّا بالدراية فقط وذلك عند قوله "ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف". ثمّ ذكر رحمه الله تعالى السلبيات التي ترتّبت عن الصنف الثاني وهو كثرة الخلاف، وقلّة الضبط، واتّساع الخرق.

التاريخ يعيد نفسه كما قيل، فالذي تسبب في الخلاف وقلّة الضبط واتّساع الخرق في الماضي هو المتسبب في الخلاف الذي نجده اليوم، فالإتقان لوحده لا يكفي، والسند مع الإجازة بمفردهما لا يكفي والدراية لوحدها لا تكفي. فالمقرئ ينبغي أن يكون جامعاً بين الإتقان والرواية والدراية وذلك في جميع سلسلة الإسناد، وإلاّ دخل الخلاف وضعُف الضبط فتتغيّر الحالة من سوء إلى أسوء، وحينها يجب استدراك ذلك بأن يقوم جهابذة جمعوا بين هذه الأوصاف الثلاثة ليتداركوا فيما وقع فيه الوهم والتقصير فيُقوّمونه من جديد لتعود الأمور إلى مجاريها كما عادت في السابق. قال ابن الجزريّ: "فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها،".

وممّا أثار انتباهي من كلام ابن الجزري أنّه ربط الاستدراك بالتأصيل العلمي وتقعيد الأركان والأصول إذ به تتقلّل رقعة الخلاف شيئاً فشيئاً ويتصاعد الضبط والإتقان إلى ما كان عليه، لذا قال رحمه الله تعالى: فبالغوا في الاجتهاد وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميزوا بين المشهور والشاذ والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها،". فالشاهد قوله: "بأصول أصلوها، وأركان فصلوها"

ومّما يُمكن استنباطه من كلامه:

- الاقتصار على الإتقان غير كاف،

- الحذر من أخذ هذا العلم على من لم يتلقّى القرءان مشافهة من المشايخ كعلماء الأصوات وغيرهم الذين ما أتقنوا تلاوة القرءان وما تلقّوه عن المشايخ المسندين. فمن وجد شيخاً اجتمعت فيه صفات الثلاثة أي الإتقان والرواية والدراية فاليبادر إلى التلقّي عنه فإن لم يجد فعليه بالمجاز المتقن، فإن لم يجد فعليه بالمجاز ثمّ ليرتقي بنفسه بسماعه للقراء المتقنين العالمين المسندين، والقراءة عليهم ولو يسيرا إن سمحت الفرصة مع كثرة المطالعة للمصادر المعتبرة ومخالطة أهل العلم ليستدرك ما فات شيخه فيتحسّن أداءه وأداء من يقرأ عليه في المستقبل، وبذلك ستعود المياه إلى مجاريها شيئا فشيئا بإذن الله تعالى.

نخلصّ مما سبق: أنّ المقرئ الذي يستحقّ التصدّر للإقراء ينبغي أن يجتمع فيه الإتقان والرواية والدراية، وإذا اختلّ واحد من هذه الثلاثة فإنّ الأداء سيتدهور بكثر الخلاف وقلّة الضبط والتباس الأمور بعضها في بعض. ولا يمكن استدراك ذلك إلاّ بالجهابذة الذين تجتمع فيهم الخصال الثلاثة بحصر ما اختلف فيه ومعالجتها بالأدلّة والبراهين مع تقعيد القواعد والأصول وإعادة الاعتبار لما كان معتبراً عند الأئمّة وإهمال ما كان مهملاً عندهم فهم أئمّتنا وساداتنا لا ينبغي الخروج عن سبيلهم ومنهاجهم.

وينبغي التنبيه على أنّ المقرئ الذي تجتمع فيه الخصال الثلاثة ينبغي أن يكون مشهوراً بالرواية شهد له أقرانه بذلك وبتفوّقه في العلم كما قال ابن الجزريّ رحمه الله تعالى "فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية،". وهذا يجعلنا نتحفّظ من التلقّي عن المجاهيل الذين لم تثبت روايتهم.

أكتفي بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[15 Oct 2009, 01:02 ص]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

مما أثار انتباهي، اهتمام الطلبة الجامعيّين لا سيما في المستويات العالية بتحقيق المخطوط وضبط المتون وإثبات نسبة الكتاب إلى مؤلّفه ودراسة مناهج التحقيق في ذلك. لا يشكّ أحدنا أنّ هذا الأمر هو في غاية الأهمّية فتحقيق النصوص وضبطها وإثبات صحّة نسبتها إلى مؤلّفيها يجعل أهل العلم وطلبته يثقون في الكلام المنقول عن العلماء البدور، فتنشرح بذلك الصدور و تطمئنّ لها القلوب إذ على مضمونها ومقتضاها يصان به المعمول وتُبنى الأحكام والأصول. وهي الغاية من التحقيق وضبط التراث المأثور، وليس التحقيق لأجل التحقيق والضبط لأجل الضبط.

فالمحققون للمخطوط على كثرة، والمستنبطون المستفيدون من تلك المصادر على ندرة وعزّة، فكم من محقّق أجاد تحقيق المخطوط ولكنّه غير مستفيد للمضمون، وغير قادر على استخراج الفوائد من البطون ولا حريص على إدراك وفهم المقصود والردّ بها على المَوْهوم.

فالكتب المطبوعة على وفرة، ولكنّها لا تُستغلّ بما يُرجى، كالمحدّت الذي لا يعي ما جاء به الحديث من معاني، ولا عمل بما يقتضيه النصّ فيُبالي. مع أنّ أئمّتنا جمعوا بين النقل الصحيح والفهم السقيم والعمل المصيب، فكانوا بذلك أئمّة الهدى ومصابيح الدّجى، فهكذا ينبغي علينا أن نكون، ليتسنّ لنا تحقيق المرغوب وتوفية المطلوب،و أسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما فيه الخير والصلاح والحمد لله ربّ العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير