ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[18 Jun 2007, 11:29 ص]ـ
أريد أن أضيف شيئاً:
لو تسائلنا عن السبب الذي حمل علماء الأصوات على الحكم بأنّ الطاء المنطوق بها مهموسة، لكان الجواب نصّ سيبويه " لولا الإطباق لصارت الطاء دالاً " أي حكموا على الهمس بمفهوم المخالفة للنصّ فأرادوا أن يجدوا حلاً لهذا النصّ فوقعوا من مشكل وهو قطعهم بأنّ الطاء المنطوق بها اليوم مهموسة وهذا غير مقبول عندنا اعتماداً على تعريف الهمس والجهر الذيْن اعتمد عليهما أهل الأداء قاطبة. فمن الناحية النظرية يقولون بأنّها مهموسة ولكنّهم يعجزون عن إثبات ذلك عملياً لعدّة أسباب:
أوّلاً: قوّة الاعتماد على المخرج عند النطق بالطاء.
ثانياً: عدم خروج النفس كما هو الحال في الحروف المهموسة.
ثالثاً: النبرة القوية التي نسمعها عندالنطق بحرف الطاء لا سيما عند التشديد نحو {الطآمّة}، وهذا ينافي الهمس لأنّ الهمس هو الصوت الخفيّ لقوله تعالى {فلا تسمع إلاّ همساً} أي إلاّ صوتاً خفياً.
رابعاً: الطاء أقوى الحروف، ولو طبقنا ذلك في الطاء المقروء بعا اليوم لوجدناها كذالك، وهذا ينافي الهمس.
خامساً: القلقلة التي تلازم الطاء المنطوق بها اليوم بسهولة تامّة، فلو كانت الطاء مهموسة لتعذرت القلقلة أو لنُطِقت بكلفة.
أمّا تعريف الهمس والجهر وعلاقته بالوترين عند علماء الأصوات، وإن كان صحيحاً علمياً، إلاّ أنّ هذا التعليل لم يعتمد عليه نقلة القرءان الكريم في قراءتهم وإقرائهم، فكان اعتمادهم على كلام سيبويه وبذلك أخذوا ونقلوه وقرءوا وأقرءوا بمقتضاه والقراءة سنة متّبعة.
الذي أخشاه هو أن أنجد في كتب التجويد إدخال اهتزاز الوترين في تعريف الهمس والجهر، فيصر علم التجويد عبارة عن نتائج تجريبية عبر الأجهزة المستحدثة ونتخلّى شيئا فشيئاً عن تراثنا و عن أقوال أئمّتنا الذين حفظ الله بهم القرءان، فما ينبغي في نظري أن نحيد عن منهاجهم لا سيما فيما يخالف أقوالهم ونصوصهم.
القضية الثانية التي أريد طرحها هي قضية التصريح بتشابه الحرفين في السمع. نحن نعلم أنّه لولا الإطباق لكانت الطاء دالاً، والظاء ذالاً والصاد سيناً.
عندما نرجع إلى النصوص نجد أنّ القدامى صرّحوا بوجود تشابه في السمع بين الظاء والذال، وبين الصاد والسين، بل ألحّوا على التمييز بينهما نحو {عسى، عصى} و {مخذوراً و محظورا} بخلاف الطاء والدال حيث لم أجد من صرّح بتشابه الحرفين في السمع بل التصريح بالتشابه كان بين الطاء والتاء. أظنّ أنّ هذا العنصر مهمّ لا ينبغي أهماله في هذه القضية.
شيخنا العلاّمة، هذا ما أردتّ إضافته وبودّي أن أقول أنّ هذه المسائل لا بدّ فيها من أدلّة قطعية لا يشوبها احتمال لأنّه القرءان الكريم، فاستحضار عظمته، يلزمنا التوقّف والتمهّل وأخذ بعين الاعتبار جميع النصوص من غير إهمال شيء منها لما يترتّب من المفاسد عند مجانبة الصواب، فهذا العلم ليس كالفزياء والرياضيات التي تعتمد على الملموس فقط، بل هو علم أساسه المتابعة بالمشافهة على مقتضى نصوص الأئمّة الذين نقلوا لنا القرءان فحسب.
وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
محمد يحيى شريف الجزائري
ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[21 Jun 2007, 06:20 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الأستاذ محمد يحيى شريف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإنك أثرت مسائل دقيقة بعضها منهجي، وبعضها موضوعي، ثم قعَّدت لها قواعد , أطلقت حولها أحكاماً، وقد تكون تلك القواعد غير صحيحة، وقد تكون تلك الأحكام غير دقيقة، وربما يطول النقاش حول بعض تلك المسائل، ويبتعد بنا القول عن أصل الموضوع الذي أثاره سؤال الأستاذ عبد الحكيم، ولكني وجدت نفسي مضطراً لمواصلة النقاش، نصيحةً لإخواني المهتمين بمثل هذه الموضوعات، بقدر معرفتي واطلاعي، وأدعو الله تعالى أن يقترن ذلك مني بإخلاص النية وصدق المقصد.
وتحتاج مناقشة بعض ما ورد في تعليقكم من مسائل إلى تفصيل قد يطول على بعض الإخوة القراء، وقد يثقل ذلك على البعض منهم، ومن ثم فإني سوف اختصر القول، وأجعل ذلك في نقاط سأكتبها تباعاً، إن شاء الله، وسوف أسميها مقدمات، وأرجو أن يتاح لي متابعة كتابتها.
المقدمة الأولى: حدود الاجتهاد في القراءة القرآنية
لابد من التفريق بين جانبين للقراءة القرآنية، اختص كل جانب منهما بعلم من العلوم، وهما:
(1) علم القراءات
(2) علم التجويد
وعلى الرغم مما بين العلمين من صلة وتكامل إلا أن كل علم له موضوعه ووسائله ومنهجه، وكان علماء السلف - رحمهم الله – قد أدركوا ما بين العلمين من تمايز، وحملهم ذلك على تأسيس علمين لهما.
وأهم ما يميز علم القراءات عن علم التجويد أن الأول علم رواية، وأن الثاني علم دراية، وهذا يعني بالضرورة أن علم القراءات لا مجال للاجتهاد فيه، وأن علم التجويد فيه مجال للاجتهاد، وكل اجتهاد يكون مظنة الاختلاف، وهو اختلاف لا يتهدد القرآن في شيء، بل هو مفيد في الوصول إلى فهم صحيح لظواهر النطق في القراءة.
وبناء على هذه الحقيقة كانت القراءات ثابتة لا تزيد ولا تنقص، أما مسائل علم التجويد فإنها تزيد وتختلف فيها الأقوال، ولتسمحوا لي بإيراد هذا المثال للاختلاف في طريقة تناول مسائل العلمين، وهو: إن القراء اليوم جميعهم يقرؤون الآية الكريمة في سورة الفاتحة: " اهدنا الصراط المستقيم " بطريقة واحدة، لكن يمكن أن يختلف تحليل علماء التجويد لهذه الآية، فيمكن أن يقول البعض: إن الطاء في (الصراط) صوت مجهور، ويمكن أن يقول آخر: إنه صوت مهموس، وقد يكون الصواب في أحد القولين، لكن هذا الاختلاف لا يغير من طريقة الأداء، ولا يتهدد القرآن، ولا يقدح بحفظه، وإنما هو اجتهاد في فهم النطق بحسب الوسائل والاصطلاح.
وإذا اتفقنا على هذه المقدمة الموجزة، أخي محمد يحيى الشريف، والقراء مدعوون لذلك أيضاً، فتح لنا ذلك مجال القول في مقدمة أخرى، إن شاء الله.
¥