تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الذي توصلنا إليه إلى الآن أنّ علم التجويد ينقسم إلى قسمين: القسم الأوّل وهو الذي يكون الخلاف فيه لفظيّ أي في المسميات والاصطلاحات فقط ولا يترتّب عليه تغيير في الصوت. وهذا النوع من الخلاف لا يضرّ كما تفضلتم وبالتالي فإنّ مجال الاجتهاد فيه مفتوح لأنّه لا يؤثّر على النطق بالحروف وما ينشأ عنها عند التركيب ولا أظنّ أنّ واحداً من أهل العلم أنكر هذا النوع من الاجتهاد. إلاّ أنّ كثرة الخوض والتوسّع فيه قد يؤدّي إلى المبالغة والخروج عن الغاية التي من أجلها ألّف القدامى كتباً في هذا المجال وهو المحافظة على النطق الصحيح، وهذا الهدف هو الذي لا بدّ أن نجعله نصب أعيننا ولا ينبغي علينا أن نحيد عنه. مثال ذلك الإدغام في {من مال} اختلف العلماء في الغنة هل هي غنة الميم فيكون الإدغام تامّا أم هي غنة النون فيكون الإدغام ناقصاً. أقول وهو مجرّد رأي: ما هي الفائدة في الخوض والتوسّع في جمع النصوص الواردة في الباب للبحث عن الراجح في المسألة؟ ما هي الغاية في ذلك؟ وما هي الثمرة العملية في ذلك؟ وهذا يقال في باقي المسائل التي لا يترتّب عليها تغيير في الصوت القرءاني كما تفضلتم في مقدّمتكم الأولى. لأجل ذلك أقول و أكرّر أنّ الأهداف تختلف بين علماء الأصوات وعلماء التجويد فقد يكون الهدف من معرفة الراجح في هذا النوع من المسائل مهمّ عند علماء الأصوات ولا يكون كذلك عند علماء التجويد. فعلماء التجويد هدفهم الحفاظ على الهيئة الصحيحة للحرف الذي نزل به القرءان وهذا هو الهدف الذي لا ينبغي لهم الخروج عنه وما سوى ذلك فهو ثنائيّ وليس أساسياً عندهم بخلاف أهداف علماء الأصوات الذي يرتكز على التدقيق بالأجهزة الحديثة وفهم كيفية حدوث الصوت في مخرجه وغير ذلك. فلماذ نُلزِم أهل الأداء بتلك الدراسات خاصّة فيما لا يترتّب تغيير في الصوت، و يمكنهم الاستغناء عن كلّ ذلك ما دام الخلاف لفظيّ لا يمسّ النطق الصحيح الذي نزل به القرءان والذي نصّه أئمّتنا في كتبهم. والدليل على ذلك أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام أقرّ بما سمعه من صحابته رضي الله عنهم عند سماعه لقراءتهم معتمداً على سمعه الطبيعي، وكذا الصحابة والتابعون والذين من بعدهم. أقول إن كانت هذه الأجهزة الحديثة هي مجرّد اكتشاف لكيفية حدوث الصوت ويعزز دراسة علم التجويد ويسهّلها على المتعلّم ويبرز القيمة العلمية لجهود علماء التجويد، من غير أن تغيّر شيئاً من أصول قراءة القرءان وهيئتها كما تفضلتم فهذا أمرٌ محمود لا أظنّ أنّ واحداً يعارض ذلك. وإن كانت هذه الدراسات الصوتية تعيد النظر في القواعد التي ارتكز عليها أئمّتنا وبلغوا بها الغاية القصوى في حفظ كتاب ربّها، حتّى إن اعتبر علماء الأصوات أنّ تلك القواعد ليست دقيقة إلاّ أنّ الأئمّة اعتمدوا عليها في حفظ القرءان الكريم. فإنّ بقي القرءان صحيحاً بسبب تلك القواعد التى وضعها أئمّتنا فسيبقى كذلك بإذن الله تعالى، وحينئذ يمكننا الاستغناء عن الدراسات الصوتية كما استغنى عنها أئمّتنا القدامى. إذن فلسنا ملزمين بهذه الدراسات لأنّنا لا نحتاجها ضرورة وإنّما هو من باب التعزيز فقط. بخلاف علم التجويد فلا يمكن لعلماء الأصوات الاستغناء عنه، فهم الذين يحتاجون إليه وليس العكس والآن نريد قلب الموازين.

والقسم الثاني هو الخلاف الذي يترتّب عليه تغيير في أداء الحروف والكلمات فأقول وبالله التوفيق:

قراءة القرءان عبادة لأنّنا نتعبّد بتلاوته، ونتعبّد بإخراج الحروف من مخرجها وإعطائها حقّها ومستحقها من الصفات اللازمة والعارضة ونتعبّد بترقيق المرقق وتفخيم المفخّم وإدغام المدغم وإظهار المظهر وغير ذلك وكلّ يدخل في مقتضى قوله تعالى {ورتّل القرءان ترتيلاً} وقول ابن الجزري عليه رحمة الله تعالى (من لم يجوّد القرانَ آثمُ).

وعلى هذا الأساس فلا يجوز أن نخالف القدامى في قراءة القرءان لأنّها توقيفية ولا مجال للاجتهاد فيها إلاّ عند الضرورة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير