على أنّه من كان شمساً مقامُه ...... فلا المدح يُعليه ولا الذمّ ضائرُ
اسمحلي يا شيخنا على هذه الوقفة اليسيرة والتي تتعلّق بتشبيهكم للدراسات الصوتية بوسائل النقل والطب الحديث لأهمّية ذلك عندي قبل الخوض في مسألة الطاء لأنّه كلّما كانت المقدّمات واضحة كان الموضوع كذلك لأنّ المقدّمات تكيّف الموضوع وتضبطه بدايةً مّما يجعلنا لا نحيد عنه. فأقول وبالله التوفيق:
إنّ وسائل النقل الحديثة هدفها الوصول إلى المكان المقصود في أقرب وقت، ووسائل الطبّ الحديثة هدفها الاكتشاف السريع للأمراض ومعالجتها بطرق فعاّلة. وهذه النتائج لم تتوصّل إليها البشرية في العصور القديمة.
السؤال: ما هو الهدف من الدراسات الصوتية؟ ومن المعنيون بهذه الدراسات؟
المعنيون هم علماء التجويد وعلماء الأصوات.
فهدف علماء التجويد هو صيانة النطق الصحيح للقرءان الكريم. وهل وصلوا إلى هذه الغاية؟ لا شكّ أنّهم وصلوا إلى تلكم الغاية وهذا لا يحتاج إلى أدلّة تثبت ذلك. وهذه الغاية هي التي حملت الأئمّة على التدوين في علم التجويد فبيّنوا مخارج الحروف والصفات وما ينشأ عن ذلك. فإن وصلوا إلى هذه الغاية فلا بدّ أن نقتفي آثارهم و نقتديَ بهم إن كان الهدف من التجويد صيانة القرءان من اللحن أي هدفاً شرعياً، ونحن نعلم جميعاً أنّنا لن نسبقهم في هذا المجال ولو بالوسائل الحديثة. أمّا إذا أردنا أن نعطي للتجويد صبغة أخرى وهو التدقيق في أصوات الحروف ممّا يخرج عن الهدف الأساسيّ الذي حمل القدامى على التأليف أو توسيع دائرة البحوث لأهداف تتجاوز الهدف الشرعيّ الذي اقتصر عليه الأئمّة، فحينئذ لا بدّ من فصل العلمين لاختلاف الأهداف، وأخشى أن يتوسّع علماء التجويد فيما لا علاقة له بالهدف الشرعي. مثاله: إن كانت نصوص القدامى تكفي للحفاظ على النطق الصحيح لحرف من الحروف وتضمن بقاء هيئته الأصلية الصحيحة بالإضافة إلى التلقي من المشايخ، فالغاية متحققة بالنسبة لعلماء التجويد. فإن كانت الغاية أوسع من ذلك فإنّها تخرج عن المجال الذي من أجله أُبْرِزَ علم التجويد في القرون المتقدّمة.
وللحفاظ على هذا الجوهر وهو الهدف الشرعي لا بدّ من من فصل العلمين في نظري وهو مجرّد رأي.
أعزّز كلامي هذا بما يلي فأقول: مخارج الحروف والصفات والقواعد التجويدية بُنيت على ما نطق به أفصح جيل في التاريخ الإسلامي فكلّما كان الكلام فصيحاً كانت القواعد التي ارتكزت على الكلام الفصيح في غاية الجودة. أمّا الدراسات الصوتية فهي بُنيت على نطق غير فصيح مقارنة بالنطق القديم لا سيما الأعاجم والعوام باختلاف لغاتهم ولهجاتهم. وعلى ما سبق لا يمكن مقارنة النتائج التي بُنيت على نطق المعاصرين بالنطق الفصيح الذي كان عند العرب خاصّة. ولا يمكننا ضبط الفصيح إلاّ بالنصوص القديمة.
شيخنا العلامة، لكلّ علم تراثه، ومهما مرّ الزمان فالعلماء مجبورون بالعودة إلى تراثهم، لا أتوقع تجديد سنة من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام أو وجود مجدّد لهذه الأمّة من غير الاعتماد على التراث القديم. فكلّ من وصِف بالتجديد للعلوم الشرعية ووصل أعلى مراتب الدراية إلاّ وتجده منكباً على التراث القديم وما وصل ابن الجزري إلى مرتبته إلاّ باعتماده على المصادر القديمة التي نقل منها القراءات وما وصل غيره كالأزميري والمتولّي والضباع والمرعشي إلاّ بذلك. وحتّى المحققين في علم التجويد والقراءات لا يمكنهم الاستغناء عن ذلك التراث لتحقيق أيّ مسألة من المسائل. أقول: إنّ خلط علم التجويد بالدراسات الصوتية الحديثة يودّي إلى استعمال المصطلحات الجديدة، وهي مع مرّ الزمان ستقوم مقام ما اصطلح عليه القدامى ويُتوقّع توسّع في هذه المصطلحات الذي يفضي إلى فصل علم التجويد في المستقبل عن التراث القديم حيث لو تغيّرت الاصطلاحات فإنّه من الصعب التأقلم من جديد مع التراث القديم، وإذا وصل الأمر إلى هذا الحدّ فيصعب الرجوع إلى التراث القديم عند تحقيق أيّ مسألة من المسائل. والمتأمّل في جميع العلوم الشرعية يجد أنّ المعاصرين ما غيّروا اصطلاح من تقدّمهم من أهل العلم في علم الأصول والحديث والفقه واللغة فكيف بنا نريد تغيير هذه المصطلحات مّما لا تاتي بثمرة عملية ملموسة.
أكتفي بهذا القدر وأرجوا ألاّ يضيق صدركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
محمد يحيى شريف الجزائري
ـ[أمين الشنقيطي]ــــــــ[01 Jul 2007, 07:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فخيراً سمعنا من أستاذنا الكريم الكبير الأستاذ الدكتور غانم الحمد حفظه الله وبارك في علمه،
وإننا في هذا الملتقى لفي شوق إلى سماع تفاصيل الفروق الدقيقة بين القراء وأهل الأصوات،
لذا أرجو من جميع الإخوة فتح صدورهم لهذه الفروق المستخلصة من هذه الدروس المهمة لأستاذنا الكريم.
وأتمنى على أستاذنا المبارك ان يراعي في ترتيب مايطرحه من الصفات أو المخارج ترتيب المقدمة الجزرية لتسهل المتابعة معه ...
كما أذكر الإخوة بأن هذه الدروس الصوتية هي من الأساليب المفيدة جدا في تصحيح مخارج الحروف وصفاتها لدى الطلبة.
وأنا أقول بحسب تجربتي المتواضعة في تدريس الطلاب كنت أتناول هذا الموضوع بمقدمة بسيطة فأعرف المخرج:
بأنه المحل الذي يخرج منه الحرف أو الجهة التي يتجه إليها،
والصفة بأنها هي الكيفية التي نسمع بها الحروف الهجائية، كأن نسمع صوتا عاليا فنسميه تفخيما، أو ضعيفا فنسميه ترقيقا.
ثم اسرد بقية الصفات بحسب الكيفية التي تسمع بها ...
وكان قصدي من هذا التقريب البسيط أن يستفيد الطلبة من هذه الدروس المفيدة، وقد شعرت بقربهم من هذا العمل البسيط.
ونحن اليوم في حاجة إلى درس في المخارج والصفات من أستاذ كبير نقدره ونحترمه ... والله الموفق ...
¥