تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتتابع التأليف في هذا العلم في الحقب اللاحقة لظهور مؤلفاته الأولى، ولم ينقطع التأليف فيه حتى وقتنا الحاضر، وقد تنوعت مناهج التأليف فيه وأساليبه بين النظم والنثر، والإيجاز والتفصيل، والابتكار والتقليد، وكانت السمة الغالبة على تلك المؤلفات المحافظة على صورته الأولى، مع إضافات متميزة لبعض علماء التجويد في بعض العصور، لكن ذلك لم يغير من صورته التي استقر عليها.

أما علم الأصوات: فيُعَدُّ من العلوم اللغوية الحديثة في العربية، وظهرت بوادر التأليف فيه في العربية على يد المستشرقين في النصف الأول من القرن العشرين، لكن أول مؤلف كُتِبَ فيه بالعربية في العصر الحديث هو كتاب " الأصوات اللغوية " للدكتور إبراهيم أنيس، الذي صدرت طبعته الأولى في القاهرة سنة (1947)، وتوالت المؤلفات فيه وتكاثرت بعد ذلك، وغلب على تلك المؤلفات الاعتماد على الدراسات الصوتية الغربية، وترجمة نتائج تلك الدراسات إلى العربية، مع الإشارة إلى جهود علماء العربية مثل الخليل وسيبويه وابن جني في ميدان دراسة الأصوات، لكن جهود علماء التجويد على ضخامتها لم تحظ بالعناية منهم، بل إنها تكاد تكون مجهولة في الكتابات الصوتية العربية الحديثة والمعاصرة.

وتقدمت دراسة الأصوات اللغوية في العقود الأخيرة لدى الغربيين، واستفادت كثيراً من مختبرات الصوت والأجهزة الحديثة التي تستعمل في دراسة الصوت وتحليله، وتنوعت مناهج تلك الدراسة ووسائلها وموضوعاتها، وتمخض عن ذلك ثلاثة فروع لعلم الأصوات، هي:

(1) علم الأصوات النطقي، ويعنى بعملية إنتاج الصوت اللغوي.

(2) علم الصوت الفيزياوي، ويعني بطبيعة الصوت الإنساني، وكيفية انتقاله من مصدر التصويت إلى أذن السامع.

(3) علم الأصوات السمعي، ويعنى بكيفية إدراك الإنسان للصوت اللغوي.

وانعكست آثار ذلك التقدم في دراسة الأصوات اللغوية على كتابات الأصواتيين العرب، وظهر عدد من المؤلفات التي تستند إلى ما تحقق من تقدم في مجال دراسة الأصوات، لكن دراسة علم التجويد ومؤلفاته في العصر الحديث ظلت في معزل عن ذلك كله، ومن هنا صار يُنظر إلى العلمين كأنهما مختلفان موضوعاً ومنهجاً، لكنهما في الحقيقة من وادٍ واحد، ويؤولان إلى أصل واحد، ولعل في النظر في تاريخ العلمين وطبيعة كل منهما والموضوعات التي يتناولانها ما يؤكد ذلك، وهذه نظرة سريعة في تلك الجوانب:

(1) النشأة: إن "علم التجويد" أقدم نشأة من (علم الأصوات) بما يقرب من عشرة قرون، فالمؤلفات الجامعة في علم التجويد ظهرت في منتصف القرن الخامس الهجري، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار سبق الغربيين إلى تأسيس علم الأصوات الحديث منذ القرن السابع عشر أو القرن الثامن عشر، فإن علم التجويد يظل أقدم نشأة منه بستة قرون أو سبعة قرون.

(2) التسمية: إن مصطلح " علم التجويد " استعمل للدلالة على المباحث الصوتية المتعلقة بقراءة القرآن الكريم، وكانت تلك المباحث مختلطة بالمباحث النحوية والصرفية لدى علماء اللغة العربية، ولم يفردوها بمصطلح خاص أو علم مستقل، وقد حاول ابن جني ذلك في كتابه (سر صناعة الإعراب) حين عبَّر عن موضوع الكتاب بـ (علم الأصوات والحروف)، لكن من جاء بعده من علماء العربية لم يوفقوا في استثمار تلك اللمحة من ابن جني والبناء عليها، حتى تمكن علماء قراءة القرآن بعده من استخلاص المباحث الصوتية من كتب علماء العربية، وأفردوها في كتب خاصة، واختاروا لها تسمية جديدة، كانت في أول الأمر تتكون من عنصرين: الأول المخارج والصفات، والثاني التجويد والإتقان، فسمَّى مكي بن أبي طالب كتابه " الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة بعلم مراتب الحروف ومخارجها وصفاتها وألقابها "، لكن معاصره أبا عمرو الداني سمى كتابه " التحديد في الإتقان والتجويد "، ثم غلبت كلمة التجويد في عناوين الكتب التي ألفها العلماء في العلم من بعدهما.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير