تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: ومما يعتقد بعض أهل العلم أنّ ما جاء به علماء الأصوات لن يغيّر من شكل علم التجويد ولا إلى تغيير قراءة القرءان وهيئة الحروف وإنّما هو من باب التدقيق والتأكيد لما توصّل إليه علماء التجويد. وهذا فيه نظرٌ أيضاً لأنّ ما نشاهده اليوم هو استدراك وليس تأكيد لما عليه علماء التجويد في بعض المسائل، إذ القول بأنّ الطاء الصحيحة ما هي إلاّ الضاد الحديثة هو استدراك وليس تأكيداً لما عليه علماء التجويد وهذا يقال في حرف القاف وغيرها من الحروف.

ثالثاً: القول بأنّ التدقيق الذي جاء به علم الأصوات الحديث هو عين الدراية. وهذا فيه النظر كذلك لأنّ ظاهر هذا الكلام يؤدّي إلى الطعن في دراية القدامى أو أنّ درايتهم غير كافية لضبط النطق الصحيح لحروف القرءان الكريم.

رابعاً: إنّ قواعد التجويد من مخارج الحروف والصفات وما ينشأ عنها حال التركيب ارتكزت على شيئين مهمّين متينين يستبعد من خلالهما الوهم والخطأ وهما:

أ – الاعتماد على اللغة الفصيحة التي كان عليها العرب في وقت سيبويه. والذي جعل هذا العنصر متيناً هو الاعتماد على الأفشى من لغة العرب.

ب – الاعتماد على أئمّة القراءة الثقات الذي نقلوا القرءان مشافهة بالسند المتصل إلى رسول الله تعالى ولا نحتاج إلى أن نبيّن من كان من أئمّة القراءة في وقت سيبويه. فاعتماد أئمّة التجويد والقراءات لاسيما أصحاب القرن الخامس كالداني ومكي القيسي على علماء اللغة كان على هذا الأساس.

ولذلك أقول للشيخ أحمد عطية إنّ اعتماد علماء التجويد القدامى على أهل اللغة ليس كاعتماد المعاصرين المجوّدين على علماء الأصوات لسببين:

السبب الأوّل: أنّ أئمّة اللغة القدامى أعلم وأدرى بالفصيح من لغة العرب من علماء الأصوات المتأخرين.

السبب الثاني: اعتماد القدامى على أفصح جيل في التاريخ الإسلامي بخلاف علماء الأصوات الذين يعتمدون على نظرياّت الغرب والأجهزة الحديثة التي تقوم بترجمة ما يُعرض عليها من الأصوات بغض النظر عن فصاحة أو نوعيّة ما يُعرض عليها. فإن عُرض على هذه الأجهزة نطقاً فصيحاً لكانت النتائج حسنة وإن عرض عليها نطقاً غير فصيحٍ أو غير صحيح فتكون النتائج غير صحيحة، فالجهاز يترجهم ما يُعرض عليه فقط. إذن فالعبرة بما عرض على الجهاز وليس بنتائجه بالذات، فما بُنِيَ على باطل فهو باطل. لو يقوم سيبويه من قبره ويَعرض كلامه على الجهاز فلا شكّ أنّ النتائج تكون في غاية الصحة لأنّ الأصل متين بالفصاحة الصحيحة التي كان عليها العرب الأقحاح.

وعلى ما تقدّم هل يمكننا أن نقول أنّ ما وصل إليه علماء الأصوات هو تأكيد وإبراز للجهود التي وصل إليها القدامى مع أنّ المادّة الأوّلية تختلف اختلافاً شاسعاً. أمن خلال هذا الاختلاف يمكن لعلماء الأصوات الاستدراك على القدامى. أقول لا يمكن لاختلاف المادّة الأوليّة وهي نوعية النطق المعتمد عليه.

خامساً: نحن نتعبّد بتلاوة القرءان تلاوة صحيحة، ونتعبّد بإخراج الحرف من مخرجه وإعطائه حقّه ومستحقّه من الصفات ولا شكّ أنّ القدامى أعلم وأعبد منّا في ذلك. إذا كان الأمر كذلك أيكون علماء الأصوات أعلم وأعبد من القدامى ما دام المسألة متعلّقة بالعبادة؟ ولأجل هذا لا بدّ من فصل العلمين لتعلّق علم التجويد بتلاوة القرءان والتقرّب إلى الله بذلك بخلاف علم الأصوات الذي يبيّن كيفية حدوث الصوت مهما كانت كيفيته ونوعيته فهو علم دنياويّ كالطبّ والفزياء وغيرها حيث يعتمد على الحسّ.

ولأجل هذا ما أدخل العلماء علم الإعجاز العلمي ضمن العلوم الشرعية لأنّه يعتمد على الاكتشافات العلمية الحسية والمشرفون على هذه الأبحاث ليسوا بالضرورة من المتخصصين في علوم الشريعة وإن كان لعلماء الشريعة دورُ فعّال في الإعجاز العلمي.

سادساً: إن كان تغيير الاصطلاحات يؤدّي إلى زيادة قيمة إضافية للهدف الشرعي الذي من أجله أبرِز علم التجويد فلا شكّ أنّ ذلك محمود و إلاّ فما الفائدة؟ إن قلت أنّ حرف الطاء انفجاري وهو عندنا شديد ومجهور ومقلقل يغنيني عن تسميته بالانفجاري. ما هي الفائدة العملية من هذا الاصطلاح؟ قد يكون مفيداً وله قيمة أضافية عند علماء الأصوات ولكنّه قد لا يكون مفيداً عند علماء التجويد وحتّى إن كانت هناك فائدة فإنّها فائدة نظرية ولفظية فقط. ثمّ إنّ استعمال هذه الاصطلاحات يجرّنا إلى الابتعاد عن تراثنا القديم وقطع الأصول من الجذور في وقت تحتاج فيه الأمّة الإسلامية إلى التمسّك بجذورها وتراثها.

سابعاً: أقول لأخي الشيخ أحمد عطية أنّ علم الأصوات شبح يهدّد علم التجويد إذا كان:

1 - يعيد النظر في القواعد التي ارتكز عليها أئمّتنا في كيفية قراءة القرءان قراءة صحيحة بقصد التعبّد والتقرّب إلى الله.

2 – يستدرك على بعض القواعد التجويدية أو ما أجمع عليه القراء جميعاً على أساس أجهزة تقوم بتحليل كلّ ما يُعرض عليها بغضّ النظر عن نوعية المادّة الأوليّة.

3 – الجرأة على تخطئة ما عليه القراء اليوم قاطبة بالقطع واليقين.

أكتفي بما ذكرت ولا أدّعي الصحة فيما أقول بل هو رأي من بشر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

محمد يحيى شريف الجزائري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير