أما قولك: (هل يمكنك أن تثبت بأنّ جميع ما يُقرأ به اليوم موافق لقراءة النبيّ عليه الصلاة والسلام؟ لن تستطيع إن تثبت ذلك إلاّ بالتراث القديم؟)
أقول: هذا الكلام جعلني أستيقن تماما أنكم لم تفهموا قولي، ولن تفهموه إلا إذا تجردتم من فكركم المخالف لما عليه القراء.
هل تظن أننا نخترع قرآنا من عند أنفسنا؟؟ فالقرآن مأخوذ ممن سبقونا، وإنما أتحدث عن الأوجه الزائدة علي الأصل. ولذلك ترك جيل بعد جيل بعض الأوجه التي كانت مقروءة بها في زمن من سبقوهم، ولكنك تظن أنها لم تتواتر ولذلك تركوها، والأمر ليس كذلك بدلالة أنها وردت عن أئمة من القراء العشر، فالموضوع كله مبني علي الاختيار، فالاختيار جعل هذه القراءة تتواتر وهذه لم تتواتر.
فالمدرسة التي يتمتع دارسيها بالقوة والمتانة في العلم هي التي تستطيع أن تفرض اختيارها، والاختيار يكون من المسموع يا سيد محمد.
وإلا قل لي: لماذا يقرأ هذا الجمع الكبير من القراء بالفرجة في الميم ـ مع أنك تتدعي أنها ليست من نصوص القدامي ـ؟؟
وهذه الضاد المصرية ـ التي شرحت أنت كيفية انتشارها من قبل ـ التي سيطرت علي سائر الأقطار بشاهدتكم أنتم.
هل كفر كل هؤلاء وأنهم أدخلوا في القرآن ما ليس منه؟؟
إنها قوة المدرسة المصرية هي التي فرضت اختيارتها علي الأمصار.
فلا تهول يا سيدي وتعطي إيحاء للقراء بأننا نقول: نترك ما قرأ به النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ
وأضع لك أقوال ابن الجزري وأريدك أن تمعن النظر فيها جيدا وأن ترد علي ما أضعه لك بأقوال العلماء لا بتحليلاتك التي لا تلزمنا في شئ.
وقد أعجبني بعض الوقفات مع منهجيتك من بعض الأفاضل قالوا:
* لاحظت أنك لم تفرق بين العلماء المعاصرين ومانتج عن اختلاف أمصارهم، ولم تفرق بين المقرئ المؤلف، والمقرئ غير المؤلف.
* أنك تناقش الخلاف على العموم دون تصريح بمعنى الخلاف وماذا تريد به؟ ولايمكن فهم مقصودك به إلا بعد طول قراءة للمشاركة،
*عالجت القضية بإيراد النصوص، تفسير النصوص، ملاحظاتك التي ظهرت لك، وهذه أشياء طيبة لكن القضية في نظري في مثل محفل ملتقى أهل القراءات والتجويد .. وكان ينبغي أن تطرحها بشكل تستأنس فيه برأي الإخوة وتفهمهم، ومدى قبولهم لها، ولو مبدئيا.
* ((أخي الأستاذ محمد يحيى شريف، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فإنك أثرت مسائل دقيقة بعضها منهجي، وبعضها موضوعي، ثم قعَّدت لها قواعد , أطلقت حولها أحكاماً، وقد تكون تلك القواعد غير صحيحة، وقد تكون تلك الأحكام غير دقيقة .... ))
هذه بعض الآراء عن تناولك للمسائل وكلها توحي بضعف تقعيدك للمسائل.
وأود أن أضع لك كلاما قيما للدكتور غانم قدوري فيجب عليك مراجعة الكلام فهو مفيد حيث قال (((وأهم ما يميز علم القراءات عن علم التجويد أن الأول علم رواية، وأن الثاني علم دراية، وهذا يعني بالضرورة أن علم القراءات لا مجال للاجتهاد فيه، وأن علم التجويد فيه مجال للاجتهاد، وكل اجتهاد يكون مظنة الاختلاف، وهو اختلاف لا يتهدد القرآن في شيء، بل هو مفيد في الوصول إلى فهم صحيح لظواهر النطق في القراءة.)))
وهذا الكلام مفسر لكلام العلامة ابن الجزري في تفرقته بين أصل الحكم (من إدغام وإخفاء ومد وإمالة وغيرها) وبين ماهية هذه الأحكام (أي كيفية أداء هذه الإمالة أو هذا الإخفاء وغيرها أي القدر الزائد عن الحكم الأصلي.
قال ابن الجزري: ((وهو الذي أشار إليه أبو عمرو بن الحاجب بقوله: والسبعة متواترة فيما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمز ونحوه، وهو وإن أصاب في تفرقته بين الخلافين في ذلك كما ذكرناه فهو واهم في تفرقته بين الحالتين نقله وقطعه بتواتر الاختلاف اللفظي دون الأدائي بل هما في نقلهما واحد وإذا ثبت تواتر ذلك كان تواتر هذا من باب أولى إذ اللفظ لا يقوم إلا به أو لا يصح إلا بوجوده وقد نص على تواتر ذلك كله أثمة الأصول كالقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني في كتابة الانتصار وغيره ولا نعلم أحداً تقدم ابن الحاجب إلى ذلك والله أعلم)) ا. هـ
وقال ابن الجزرى فى صفحة 57 فى التقريب،: وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والنقل مما يعبر عنه فى اصطلاح علماء هذا الفن بالأصول فهذا ليس بالاختلاف الذى يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة فى أداء اللفظ لا تخرجه عن أن يكون لفظا واحدا ولئن فرض فيكون من الوجه الأول وهو الذى لا تتغير فيه الصورة والمعنى. أ. هـ
قال المحقق الشيخ إبراهيم عطوة: وأن الأنصاف يقتضينا أن نحمل كلام ابن الحاجب على أن ما كان من قبيل الهيئة وليس من جوهر اللفظ بحيث يتحقق اللفظ بدونه هو الذى ليس متواترا كالزائد عن أصل المد وإلا فأصل المد متواتر ولا يصح أن يخالف فى ذلك أحد وقد صرح فى جمع الجوامع والعطار فى الأصول بذلك وكذلك ينبغى أن تحمل كلام ابن الحاجب فى الإمالة وغير ذلك من قبيل الهيئة على أن الزائد على الأصل هو الذى لم يكن متواترا. ج 2 ص271
هل بعد هذا الكلام كلام؟؟؟
والسلام عليكم
¥