ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[19 Aug 2007, 06:10 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
هل الأقوال الذي ذكرت تجيز إهمال النصوص واتباع ما عليه القراء اليوم بغض النظر عن ثبوتها نصاً أم لا؟
أنّ النصوص التي نقلت عن ابن الجزري وإبراهيم عطوة توضّح أنّ اشتراط التواتر في جميع الأوجه الأدائية كالترقيق والتفخيم والمدود والروم والإشمام غير ممكن إذ يكفي ثبوتها بالسند الصحيح وقد نصّ ابن الجزري عن ذلك في نشره حيث "والمقروء به متواتر، وصحيح مستفاض متلقى بالقبول والقطع حاصل بهما ". أقول قد حكم ابن الجزري بالقطع واليقين والصحة والاستفاضة على جميع ما ذكره في نشره سواء كان من قبيل الهيئة أم لا بغض النظر عن تواترها جزئية جزئية أم لا.
وقد وضّح في النص الذي ذكره أخي المقرئ أنّ ما كان من قبيل الهيئة فيما لا يترتّب عليه تغيير في المعنى كالمدود والترقيق والتفخيم وغير ذلك لا يشترط فيه التواتر وإنّما يكفي في ذلك ثبوته بالسند الصحيح مع استفاضته وانتشاره. وما كان من قبيل الفرش فيما يترتّب عليه تغيير في المعنى فيجب فيه التواتر. إذن فالمسألة متعلّقة باشتراط التواتر في جميع الأوجه الأدائية أم اشتراط التواتر فيما يغيّر المعنى فقط وعدم اشتراطه فيما لا يغيّر المعني. وكلّ يدخل ضمن الثابت نصاً وأداءً بالسند الصحيح إلى منتهاه والقطع حاصل في جميع ذلك.
إذن فكلامهما لا يدلّ على جواز الخلاف في الهيئة مطلقاً وإنّما هو نفي لاشتراط التواتر في جميع ما ثبت في ذلك. وقد قال الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى (وما لقياس في القراءة مدخل) مع أنّه كان يتكلّم عن ترقيق الراء وتفخيمها وهو من قبيل الهيئة. و قد أسقط ابن الجزري الكثير من الأوجه المتعلّقة بالهيئة كالترقيق والتفخيم وغير ذلك وكتاب النشر مملوء بذلك. وقد فرّق القدامى بين اللحن الجليّ واللحن الخفيّ وقد اختلف العلماء في حكم اللحن الخفيّ مع أنّ هذا الضرب متعلّق بالهيئة. وقد اهتمّ القدامى بهذه المسائل وأدرجوها ضمن أصول القراءات وقرءوا وأقرءوا وألزموا بها تلامذتهم وما تساهلوا فيها وما خالفوا اسلافهم فيها بمجرّد رأي واجتهاد.
وللتوضيح لا بدّ أن نفهم جيّداً ما المراد من إهمال النصوص.
إهمال النص ليس ما سقط إسناده، فإنّ الكثير من القراءات والروايات والطرق والأوجه كانت منتشرة عند القراء ثمّ انقطع سندها بالاختيار الذي اعتمده ابن الجزري في كتابه النشر وسبب ذلك وهو إثباته ما وافق شرطه الذي ألزم به نفسه في كتاب النشر. وانقطاع السند علّة توجب إسقاط النصّ. وأثبت الداني في كتابه التيسير أصح ما عنده وهذا الذي فعله مكي القيسي في تبصرته فهل يمكننا أن نقول أنّ هؤلاء أهملوا بعض ما ثبت عندهم؟ بل الصواب أن يقال أنّهم أثبتوا ما قطع به عندهم وأهملوا غيره.
ليس المراد من إهمال النصّ إسقاط النصّ الذي مضمونه مرجوح لأنّ المرجوح إنّما أسقِط بنصّ أقوى منه شهرة و أداءً، وحتّى لو أُسقِط النص المرجوح فقد أُعمِلَ النصّ الراجح وبالتالي فليس هناك إهمال للنصوص.
وليس المراد بإهمال النصّ اختيار أقوى الأوجه فيما تعددت فيه الأوجه حيث يكفي إثبات أقواها وأشهرها لأنّها تجزئ عن غيرها ولأننا لسنا مطالبين بإتيان جميع الأوجه
إذن فالمراد بإهمال النصّ، إسقاط ما كان ثابتاً بالنصّ عند القدامى فيما لم يكن مرجوحاً أو منقطع السند باجتهاد محض ومن غير أيّ دليل معتبر عند الأئمّة عليهم رحمة الله تعالى. لو تسائلنا لماذا أُهملت نصوص الضاد الظائية المجمع عليها؟ كيف قرأ القدامى الضاد؟ بم نسمعه اليوم؟ ما هو الدليل؟ ما هي القاعدة التي جعلتنا نخالف القدامى في مسألة الضاد؟ أيمكن الاحتجاج بالسند والتلقي فيما يخالف إجماع القدامى؟ وأسانيد المتأخرين من أين جاءت؟ هل هناك نصوص تؤيّد الضاد الدالية؟ هل نصوص الضاد الظائية مرجوحة أم منسوخة أو سقط سندها. إسقاط النصّ لا بدّ له من نص أقوى منه يقوم مقامه وليس بمجرّد الاجتهاد.
ثمّ إنّ الاختيار يكون عند توفّر الكثير من الأوجه الثابتة بالنصّ والأداء ثمّ يتمّ اختيار أقوى الأوجه وأصحّها، وليس المراد بالاختيار أهمال النص وإعمال الرأي والاجتهاد.
قولكم: "هل تظن أننا نخترع قرآنا من عند أنفسنا؟؟ فالقرآن مأخوذ ممن سبقونا، "
الجواب: كيف تقول أنّ القرءان مأخوذ ممن سبقونا وتخالفون ما أجمع عليه القدامى؟
قولكم: فالمدرسة التي يتمتع دارسيها بالقوة والمتانة في العلم هي التي تستطيع أن تفرض"
أقول: نعم أنّكم تفرضون أنفسكم بالقوة وعزل المخالفين وليس بالحجة والبرهان وإنّي لأعلم الكثير من أهل العلم ممن لم يقتنعوا بالضاد الظائية إلاّ أنّهم خافوا من العزلة وتحذير المشايخ منهم، فإن لم يسلم الكبار مثل السمنودي والجوهري فكيف يسلم من كان دونهم في العلم وقد اشتكي الشيخ العلامة إبراهيم السمنودي لأحد أخواننا الذين التقوا به عزلة من طرف تلامذته ومن المشايخ. وأعلم أنّ في مصر نقابة للقراء تقوم بعزل جميع من لحن في القراءة ومن ضمن ذلك الضاد الظائية لاعتقادهم أنّها لحن. أيمكن الآن لواحد من أهل العلم مخالفة ما عليه قراء الشام في الشام ولو كان على الحقّ؟ أيمكن أن يخالف ما عليه كبار مشايخهم كالشيخ كريم راجح والشيخ الكردي والشيخ سكر وغيرهم؟ لا يستطيع إمّا احتراماً لهم أو خوفاً منهم، لأنّه لو خالفهم لاتهموه ولعزلوه بالقوّة. ولأجل ذلك فإنّي أوافقك في كون المسألة قائمة على القوّة وعزل المخالف وليست قائمة على الحجة والبرهان.
أكتفي بهذا القدر وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
محمد يحيى شريف الجزائري.
¥